آفاق ضبابية تحاصر تعافي الشحن البحري العالمي

اعتبر محللون أن انخفاض أسعار الشحن البحري خلال الفترة الأخيرة لا يعكس الواقع الملموس الذي يمكن البناء عليه في تقييم واقع القطاع لأن السيطرة على التكاليف أمر بعيد المنال، في ظل الآفاق الضبابية التي لا تزال تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي.

تواجه صناعة الشحن البحري العالمية ضغوطا قد تمتد على مدار 2023 بسبب استمرار المخلفات الهائلة التي تركتها الحرب في شرق أوروبا على حركة التجارة رغم تسجيل القطاع تراجعا طفيفا في تكاليف النقل.

وقال خبراء في الصناعة إن الأسعار في أكثر القطاعات تقلبا في الشحن البحري تنهار، لكن كبار تجار التجزئة مثل وول مارت وهوم ديبوت وأمازون لا يتوقعون تعافيا حتى موسم إعادة التفاوض على العقود في الربيع المقبل.

والأسعار الفورية التي تغطي أي مكان من 10 إلى 40 في المئة من شحنات الحاويات، والتي تعتبر مؤشرا رئيسيا لصحة الصناعة، تتعرض للانهيار الحر مع اقتراب الركود وتقلص فقاعة الاستيراد الأميركية التي يغذيها الوباء.

ويشكل قطاع الشحن مرتكزا مهمّا لتجارة البلدان المطلة على البحر، ولم يكن أبدا في منأى عن الأزمات العالمية، وقد أثبتت الجائحة أنه معرض لمثل تلك المشكلات.

واليوم يجد القطاع نفسه في مرمى الحرب في شرق أوروبا بسبب تنامي المخاوف من إمكانية تأثير تعطل عمليات شحن البضائع في آسيا على سلسلة التوريد العالمية.

وتشير تقييمات أكبر البنوك الاستثمارية في العالم إلى أن النمو الاقتصادي العالمي سيشهد مزيدا من التباطؤ في 2023، بعد عام غلبت عليه تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع التضخم.

ومن المتوقع أن يؤثر التباطؤ على الملاحة البحرية، التي تنقل أكثر من 80 في المئة من التجارة المتداولة عالميا، إلا أن رسوم الشحن بالناقلات قد تظل مرتفعة.

وتراجعت كلفة إرسال حاوية من آسيا إلى الولايات المتحدة في السوق الفورية الحساسة للطلب بأكثر من 80 في المئة من ذروتها في سبتمبر فوق 20 ألف دولار لحاوية 40 قدما، وفقا لمنصة حجز الشحن فرايتوس.

وتتوقع شركات النقل الكبرى مثل ميرسك وشركة البحر المتوسط للشحن (أم.أس.سي) تسلم مئات من سفن الحاويات الجديدة، مما يزيد من المخاطر لأن الناقلات لديها بالفعل سفن أكثر مما تحتاجه للتعامل مع الطلب المتقلص.

وقال بيتر ساند كبير المحللين في منصة قياس أسعار الشحن الجوي والبحري إكسينيتا لرويترز “هناك إحساس بوقت الاسترداد في السوق بعد عامي كوفيد، حيث كانت شركات النقل في السيطرة المطلقة”.

ومع ذلك، قال الخبراء إن كبار العملاء مثل وول مارت وهوم ديبوت وأمازون لن يفرضوا بالضرورة الشروط خلال محادثات العقود التي تحدث عادة في شهر مايو من كل عام.

وهذا العملية تبدو جزئية لأن الشاحنين الذين ينقلون الآلاف من الحاويات كل عام يريدون أسعارا يمكن التنبؤ بها، وليس البقاء في موقع المترقب.

وقال خبير الشحن جون ماكوون إن كبار الشاحنين “يدخلون موسم الشراء وهم يريدون معرفة تكلفة الشحن”. وأضاف أنهم “غير مهتمين بلعب السوق الفوري من خلال التسوق للحصول على أسعار منخفضة”.

وأخبرت ميرسك وشركات النقل الأخرى المستثمرين أنهم سيواصلون دعم الأسعار عن طريق إلغاء الرحلات لتتناسب مع تقلص الطلب. كما يقومون بإلغاء “دلاء الصدأ” الصغيرة والقديمة لتقليص السعة.

وهذا يعني أن المتسوقين سيعانون من ارتفاع الأسعار لفترة أطول قليلاً. وقال جيسون ميللر الأستاذ المساعد لإدارة سلسلة التوريد في جامعة ولاية ميشيغان “لا ينبغي أن يتوقع المستهلك الأميركي أن هذا سيؤدي إلى تخفيف هائل في الأسعار. هذا لن يحدث”.

ورفعت شركات النقل الأسعار وحصدت أرباحا قياسية خلال زيادة الشحن الوبائي بسبب الارتفاع الحاد في الطلب على خدمات الشحن.

وأعطت العديد من شركات النقل الأولوية للأحمال ذات المعدلات الموضعية الأعلى والحاويات المصادفة من السفن المكتظة، مما أدى إلى زيادة استخدام السوق الفوري.

ومع ذلك، بدأ هذا الاتجاه في التحول نحو نهاية العام الماضي بسبب انخفاض استيراد سلع التجزئة مثل الأثاث والأجهزة والملابس.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة أوشن نتوورك إكسبريس لشحن الحاويات جيريمي نيكسون في ديسمبر الماضي، إن “الأسعار الفورية قصيرة الأجل تراجعت”.

وفي غضون ذلك أنهت أسعار العقود طويلة الأجل عام 2022، أقل بنحو 20 في المئة من ذروة الوباء التي تجاوزت 8 آلاف دولار لكل حاوية، وفقا لشركة الاستشارات البحرية دريوري.

ويتوقع المسؤولون بهذه الشركة أن تنخفض أسعار العقود إلى النصف خلال العام الحالي، وستضع هذه التوقعات الأسعار عند حوالي 3200 دولار، مقابل معدل ما قبل الجائحة حوالي 1500 دولار.

وهناك عدة عوامل يمكن أن تدعم معدلات العقود طويلة الأجل، بما في ذلك الاضطرابات الناجمة عن تفشي كوفيد في الصين، والحرب في أوكرانيا، وارتفاع تكاليف العمالة.

ويراهن ستيف شولت نائب الرئيس لتعاونية زراعة اللوز بلو دياموند غرويرز على أن معدلات العقود لن تعيد النظر في مستويات ما قبل الجائحة. وقال إنه “نوع من التضخم.. إنه لا يذهب حقًا إلى الوراء”.

ودفعت زيادة الإنفاق الاستهلاكي في العام الماضي أسواق الشحن بالحاويات إلى مستويات قياسية وأدت إلى تكدس في الموانئ في أنحاء العالم.

وفي تقرير أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في نوفمبر الماضي، توقع الخبراء أن يظل النمو في التجارة البحرية العالمية هذا العام عند 1.4 في المئة تماما مثل العام الماضي.

وفي ما يتعلق بالفترة من 2023 إلى 2027، ذكر المؤتمر أنه من المتوقع أن يكون النمو السنوي عند 2.1 في المئة في المتوسط، وهو معدل دون متوسط العقود الثلاثة الماضية الذي بلغ 3.3 في المئة. وأشار إلى أن “المخاطر السلبية تلقي بثقلها على هذه التوقعات”.

وتتسق مخاوف أونكتاد مع التحذيرات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية من آفاق سلبية تنتظر الأسواق خلال الفترة المقبلة، في ظل التقلبات المستمرة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.

وتوقعت نجوزي أوكونغو إيويلا المديرة العامة للمنظمة على هامش المنتدى العام السنوي للمنظمة في جنيف نهاية سبتمبر الماضي انخفاض التجارة العالمية عن ثلاثة في المئة، لأسباب من بينها الحرب وأزمتا الغذاء والطاقة الناجمتان عنها.

وقبل ذلك، حملت تحذيرات صندوق النقد الدولي من ركود وشيك يتربص بالاقتصاد العالمي خلال 2023 في طياتها تأكيدا على أن محاولات ترميم آثار الأزمات المختلفة قد لا تأت بنتائج إيجابية.