استرتيجية فرنسية ألمانية جديدة للتجارة مع الديمقراطيات الآسيوية وعزل الصين

تتجه كل من برلين وباريس لبناء استراتيجية جديدة لعزل الصين في علاقاتها التجارية مع آسيا، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني.

وبدت ملامح هذه الاستراتيجية التي تؤسس لعزل الصين تتبلور، وفقاً للتصريحات الألمانية الأخيرة والتراجع الأوروبي تجاه اتفاقية شراكة استثمارية مع بكين كان مخططاً التفاوض حولها خلال الخريف الجاري.

وحسب الاستراتيجية، تتجه ألمانيا نحو بناء شراكات تجارية مع الديمقراطيات في آسيا، والتخلي التدريجي عن المفهوم القديم القائم على مبدأ “التجارة مقابل التحول وفتح الأسواق في الصين” التي اتبعتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طوال سنوات في تعاملها مع التنين الصيني.

في هذا الشأن، قال وزير الخارجية الألماني: “نرغب في المساعدة على بناء النظام العالمي المستقبلي بحيث يبنى على حكم القانون والتعاون الدولي وليس على قاعدة البقاء للأقوى”.

وأضاف ماس في تصريحات، في الثاني من سبتمبر/ أيلول الجاري: “لهذا السبب كثفنا من التعاون مع الدول التي تشاركنا القيم الليبرالية والديمقراطية في آسيا”.

ويشير الوزير الألماني بهذا التصريح إلى استراتيجية ألمانيا الجديدة في آسيا التي تعمل على تنفيذها بالتعاون مع فرنسا. وتعمل الحكومتان الفرنسية والألمانية على بناء استراتيجية متكاملة في آسيا تقوم على تكثيف العلاقات التجارية والاستثمارية مع الدول الديمقراطية وطيها بالتدريج مع بكين.

وفي هذا الشأن، جمدت كل من بريطانيا وفرنسا استخدام تقنية شركة هواوي الصينية “جي 5” في شبكات الاتصالات.

وترى الحكومة الألمانية، حسب تحليل بنشرة “نيكاي أشيان رفيو”، أن الحكومة الألمانية غاضبة من سلوكيات الحكومة الصينية تجاه شركاتها التي تصنع في أراضيها، خاصة السلوكيات الخاصة بإجبار شركاتها على تسليم أسرارها التقنية.
وكانت الشركات الألمانية قد اشتكت لحكومة بلادها من هذه السلوكيات. وهذه الاحتجاجات الألمانية لا تختلف كثيراً عن الاحتجاجات التي قدمتها كل من الشركات الأميركية واليابانية الخاصة بعدم احترام بكين لحقوق الملكية الفكرية.
ووفق مراقبين، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بنت في السابق استراتيجية علاقاتها الآسيوية على التجارة مع الصين، على أمل أن تقود التجارة إلى الانفتاح الاقتصادي، ولكن هذه الآمال خابت وسط الزحف التجاري الصيني المتواصل في أوروبا دون تقيد الحكومة الصينية بنظم السوق المفتوحة وحرية التجارة وحقوق الملكية الفكرية.
ويمثل حجم التجارة الألمانية مع الصين 50% من إجمالي التجارة مع بقية دول آسيا، ولدى شركات السيارات الألمانية سوقاً ضخماً في الصين. إذ لدى شركة فولكسفاغن، كبرى شركات السيارات العالمية، ثلاثة مصانع في الصين، في كل من تشينجداو وتيانجين وفوشان.

وتسعى فولكسفاغن إلى تعزيز إنتاجها من السيارات الكهربائية في السوق الصينية في المستقبل. وربما يضع هذا العامل ضغطاً على برلين في طي علاقاتها بالسرعة التي ترغب فيها واشنطن.

وتستفيد الشركات الألمانية من رخص كلفة التصنيع والتحول الاقتصادي في الصين الذي يزيد من حجم الطبقة الوسطى القادرة على شراء السيارات، ولكن خبراء يرون أن فولكسفاغن ستخسر على المدى الطويل، لأن الشركات الصينية ستستخدم أسرارها الصناعية في إنتاج سيارات بديلة لتغزو بها السوق العالمي.

ولكن رغم الضغوط، يرى محللون بنشرة “نيكاي آشيان ريفيو” أن سنوات العسل الطويلة بين برلين وبكين ربما تكون قد شارفت على نهايتها، إذ تتجه ألمانيا إلى بناء شراكات تجارية مع اليابان والهند وكوريا الجنوبية.

وهذا التغيير الكبير في مسار العلاقات التجارية والاستثمارية حدث بسبب المخاطر التي واجهتها أوروبا منذ أزمة المال في العام 2008 التي خرجت منها الصين سليمة، بينما ضربت العديد من الشركات الغربية.

ومنذ العام 2008 غزت الشركات الصينية الأسواق الأوروبية بكثافة وبدأت العديد من الشركات الأوروبية تصنع في الصين وتضع عليها ماركاتها التجارية، كما باتت الصناعات الأوروبية تعتمد في تغذية سلاسل الإنتاج على الصين. والاستراتيجية الألمانية الجديدة لا تختلف عن الاستراتيجيات التي تنضج على نار هادئة في كل من اليابان وكوريا وأستراليا وتجمع دول جنوب شرقي آسيا.

وكانت دول الاتحاد قد تبنت في العام الماضي “استراتيجية آسيا للتواصل” كاستراتيجية بديلة لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

وترى دول الاتحاد الأوروبي أن هذه الاستراتيجية لن تثقل كاهل الدول المستفيدة بأي ديون لا تستطيع سدادها كما هو الحال بالنسبة لاستراتيجية الحزام والطريق. ولكن تنفيذ هذه الاستراتيجية سيعتمد على سرعة خروج أوروبا من أزمات جائحة كورونا التي تؤثر بشدة على اقتصادياتها في الوقت الراهن.

ضمن استراتيجية عزل بكين، شددت حكومات دول الاتحاد الأوروبي من إجراءات فحص الصفقات الأجنبية لحيازة حصص في شركات، إذ شددت كل من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وحتى السويد الليبرالية، من قوانينها ودعمت السلطات الممنوحة لوزارات التجارة ومؤسسات الأمن القومي لفحص الصفقات الأجنبية.

في هذا الشأن، دعت المفوضية الأوروبية إلى إنشاء إطار قانوني على مستوى الاتحاد الأوروبي لفحص صفقات الاستثمار من قبل الشركات الأجنبية، وهو قانون صمم خصيصاً لمحاصرة الشركات الصينية في أوروبا.

كما أصدر البرلمان الألماني قانوناً يسمح بتدقيق الصفقات على أساس الأمن القومي، في حال ارتفاع حصة المستثمر الأجنبي إلى 25 في المئة.

وتزايد نفوذ الشركات الصينية في ألمانيا منذ عام 2016، عندما اشترى مستثمرون صينيون العديد من شركات التقنية الألمانية. وأعرب المسؤولون في برلين عن قلقهم من أن عمليات الشراء ستضر بالدور التكنولوجي لألمانيا في قطاعات مثل الروبوتات ومصادر الطاقة الجديدة.

 

 

 

مصدرالشرق الأوسط - موسى مهدي
المادة السابقةأميركا تبيع مبانيها … وهونغ كونغ تخسر جاذبيتها العقارية
المقالة القادمة“بايت دانس” تعتزم إستثمار مليارات الدولارات في سنغافورة