الأزمة تُهجّر الاختصاصيين وتُعطّل الإنتاج… ولا تُبقي في البلد إلّا الفقراء

يشهد لبنان بداية ثالث أكبر موجة هجرة جماعية، تأتي كواحدة من تداعيات الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخه، وفق ما يؤكد البنك الدولي في تقاريره. ويشير الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين الى أن “أعداد المهاجرين وصلت في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى حدود 117624 مهاجراً. وقد توزعوا بحسب السنوات على الشكل التالي: 33 ألف مهاجر في العام 2018، و66924 مهاجراً في العام 2019، و17700 مهاجر في العام 2020”. والملاحظ بحسب الأرقام أن أعداد المهاجرين انخفضت في العام 2020 عن العام 2019 بنسبة 73 في المئة، بعدما كانت قد ارتفعت في العام 2019 عن العام 2018 بنسبة 100 في المئة. “الفرق الشاسع يعكس نقصاً في الفرص لا في الراغبين”، يقول شمس الدين، “لأن الدول لم تعد تسهل معاملات الهجرة كما في السابق. هذا بالإضافة الى تراجع القدرة المادية للمواطن اللبناني التي من شأنها أن تساعده على الهجرة”.

ويضيف شمس الدين، أن “65 في المئة من المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 سنة، كونهم في عمر الإنتاج، وليس لديهم أي فرص عمل في لبنان بعدما تخطت معدلات البطالة 40 في المئة. خسارة الشباب المنتج في هذه الفئة العمرية يصعب تعويضها بالنسبة للاقتصاد. وبذلك يخسر لبنان الكثير من الكفاءات قد تكون ضرورية لإعادة نهوض البلاد من الأزمة”. ولكن من جهة أخرى، يرى شمس الدين أنه “لولا أموال المغتربين المحولة لذويهم في لبنان، لما تمكنت معظم العائلات من الصمود في ظل هذه الأزمة”. طوابير الأمن العام

شمس الدين يؤكد أن “زيادة الطلب على جوازات السفر لا تعني ارتفاع معدلات الهجرة”، ففي الفترة الأخيرة، تشهد مراكز الأمن العام اللبناني إقبالاً كثيفاً للحصول على جوازات السفر أو تجديدها، ويفسر ذلك لعدة أسباب: فهناك 310 آلاف لبناني أمضوا الصيف في لبنان وجددوا جوازاتهم هنا لأن كلفتها أصبحت متدنية جداً مقارنة مع الخارج. إضافة إلى أن هدف البعض الآخر من الحصول على جوازات سفر كان “للإحتياط” خوفاً من الوضع الأمني وتحسباً للأسوأ. وآخرون عمدوا إلى تجديد جوازاتهم أو الاستحصال على جوازات جديدة خوفاً من إرتفاع تكلفة اصدارها”.

يصنّف لبنان في المرتبة 113 بين 144 دولة في العالم نسبة إلى ظاهرة هجرة الأدمغة، وهم الأطباء والمهندسون وأصحاب المهارات، والخريجون الجامعيون. الأمر الذي يؤدي إلى خسارة لبنان للموارد والمهارات البشرية. ولكن يشير شمس الدين الى أن “معظم الأطباء الذين غادروا لبنان في الفترة الأخيرة يحملون جنسية مزدوجة وعادوا ليستقروا في البلد الذي درسوا فيه”.

وبرأي  المستشار في التنمية وعضو “لقاء تشرين”، أديب نعمة فان “رغبة الهجرة موجودة لدى الجميع بمن فيهم الفقراء، وليس فقط عند الأطباء والمهندسين وأصحاب المهارات. ولكن الطلب الكثيف عليهم وتوفر الإمكانية المادية لديهم، أدت الى تضخم هذه الظاهرة. وما يحصل اليوم هو تغيير جذري في التكوين الطبقي والإجتماعي، فالى جانب ارتفاع نسبة الفقر، نرى أن الطبقة المتوسطة استودعت لبنان. وهي في حالة تدهور شديدة تدفعها الى تغيير نمط حياتها، ليس فقط كمياً إنما نوعياً أيضاً، لتتحول بذلك مشكلة الفقر في لبنان الى مشكلة عامة تشمل الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني”.