التفتيش المركزي هذه حدوده وهؤلاء هم الفاسدون

رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطيه “فتح قلبه” وغاص في كل المواضيع فعامت الملفات التي أسست للفساد وانتهت الى: “مع وقف التنفيذ”! يعود عطيه الى الوراء طارحاً سؤالين: “هل تعرفين عدد موظفي القطاع العام يوم تأسس الجهاز الرقابي؟ هل تعرفين عدد المفتشين الذين كانوا في الملاك يوم تأسس التفتيش المركزي وما آلت إليه الأمور اليوم؟” ويتابع “كان عدد موظفي القطاع العام 4000 فقط وعدد المفتشين كان 30 مفتشاً إدارياً و36 مفتشاً مالياً و27 مهندساً مفتشاً بينهم 16 مهندساً مدنياً و9 مفتشي كهرباء وإتصالات و8 أطباء مفتشين و9 مفتشين زراعيين صحيين ويومها لم يكن هناك كما اليوم 1100 بلدية و150 إدارة عامة و1350 مدرسة رسمية و450 معهداً تقنياً. مقابل كل هؤلاء، هناك طبيبان فقط لكل القطاع و7 مفتشي كهرباء واتصالات لكل القطاع و0 موظفين ماليين من أصل 36. فكيف يمكن مراقبة كل هذا القطاع بهذا العدد فقط من المفتشين؟”.

يؤكد رئيس التفتيش المركزي “أن لا احد قد استثمر في التفتيش المركزي ولا في أجهزة الرقابة كلها منذ انتهاء الحرب اللبنانية. فهل يعقل ان تزيد الإدارات أضعافاً مضاعفة ويبقى ملاك التفتيش كما هو. حتى هذا العدد غير موجود. مع العلم أننا طلبنا مراراً تعبئة هذا الملاك. حين وصلت الى مركزي قبل أربعة أعوام كان كل ملاك الفئة الأولى في التفتيش المركزي فارغاً. أتينا بعشرة فقط جدد. وطلبنا نقل موظفين الى التفتيش غير ان الموضوع بحاجة الى قرار مجلس الوزراء”.

ليس التفتيش المركزي هو المولج بمكافحة الجرائم الجزائية. نحن لسنا نيابة عامة ولا يمكننا القيام بهكذا تحقيق لأننا لسنا أخصام الإدارة بل نحن الى جانبها نتخاطب معها إدارياً من خلال المراسلات. نحن لا ننطلق من مراسلاتنا على أننا نتعاطى مع مجرمين. وإذا وجدنا في أداء أحد الموظفين جرماً نحوله الى الضابطة العدلية. هناك وجه آخر للفساد يتمثل في أمر التكليف. فكل أمناء السجل العقاري في لبنان بالتكليف، أو لنقل 90 في المئة منهم. و90 في المئة من القائمقامين هم مكلفون. وكل رؤساء مكاتب التنظيم المدني في لبنان بالتكليف. المدراء العامون نصفهم أيضا بالتكليف. ورؤساء دوائر المساحة بالتكليف. فهل يعرف اللبنانيون ماذا يعني تكليف موظف؟ معناه أن وزيراً ما ينفرد في التكليف حين يشاء وفي العودة عنه إذا شاء. وهذا معناه إرتهان المكلف له.

ما يحدث أوسع من قدرتنا. نحن نحدد الخلل ونرفع فيه توصيات لكن يعودون ويجمدون التوصيات. والسيارة كما تعلمين لا تمشي بأربعة دواليب فقط. نحن أوقفنا أحد الموظفين عن العمل من دون راتب. وهو يستمر الآن في موقعه. زمان كنا حين نوجه تأنيباً أو تنبيهاً أو حسم راتب عن أحد الموظفين يُصبح وجهه في الأرض أما الآن فلا يبالي لا هو ولا من عينوه. وأعلى عقوبة يمكن أن يتخذها التفتيش المركزي اليوم هي إيقافه عن العمل شهراً كاملا.

أفكار كثيرة. أعمال كثيرة. لكن القدرات قليلة. ينظر رئيس التفتيش الى اللمبة المضاءة ويقول: بعد يومين سيتوقف موتور التفتيش المركزي عن العمل لكننا سنسعى لاستجلاب تبرعات كي يبقى الجهاز مضاء. لن نرضخ. ويقول: “حولت مئة وخمسين ملفاً لها علاقة بمئة رئيس بلدية. لا أقول إن هؤلاء جميعاً مجرمون لكن هناك شكوكاً حولهم. والبلديات تلك حيتان. نحن حولنا هذه الملفات. والعمل انتهى عند جورج (عنده) لكنهم لم يفعلوا مع هذه الملفات شيئاً. البارحة أتى مواطن قال إن أحد الموظفين طلب منه رشوة ألف دولار ومعه تسجيل بصوت الموظف؟ فاستدعيته وحولته الى الهيئة العليا للتأديب. فلا يمكن المزاح أبدا مع هكذا أمور. مديرة إحدى المدارس أخطأت بأدائها فحولناها الى هيئة التأديب. ورئيس بعثة ديبلوماسية أخلّ بأمانته فحولناه الى المحاسبة والتأديب.

أنا مواطن، وسبق وكتبت أننا نتنشق الفساد. والفساد يجر المواطن أولا الى فساد ويدفعه الى ارتكابات غير سوية فيُصبح مشاركاً. فمن يدفع رشوة مقابل الحصول على خدمة عامة يكون مشاركاً في الفساد. فهناك راشٍ وهناك مرتشٍ. فلنحارب الفساد معا. واقول للحلقة الكاملة التي عليها المساهمة في مواجهة الفساد: شرفوا نفذوا الملفات التي أحلناها إليكم. أحد الوزراء ممن قلت له لديك مدير مكلف يحتاج الى إعادة عرض على مجلس الوزراء أجابني عبر الإعلام. هذا لا يجوز أبداً. أنا احب الموسيقى وأرتل في الكنيسة لكن إذا لم يكن هناك من يسمع أتوقف عن الترتيل. نحن نحتاج أن يسمعنا كل الآخرين وفي الإنتظار نعدّ الإصلاحات نحو الوثبة المقبلة. ونحن جاهزون؟