ساعة الحقيقة: إلزام المصارف بسعر 89500 ليرة للدولار!

لا يمكن الجزم بعد بأن مصرف لبنان سيتخذ قرار تحويل ميزانيات المصارف على سعر 89500 ليرة للدولار، بعد اقرار موازنة الـ2024 التي قد تعتمد هذا السعر في تقدير ايراداتها ونفقاتها. فبالرغم من الترويج لهذه الخطوة من قبل حاكم مصرف لبنان بالانابة الدكتور وسيم منصوري منذ أيلول الماضي، الا أن اصحاب المصارف يعوّلون على عدم حصولها لأنها تعني بالنسبة لهم اطاحة القطاع المصرفي. في المقابل يحاول منصوري منذ توليه مهامه ادخال تعديلات على الاداء المصرفي، فعمل وفريقه وبمباركة من المنظومة السياسية على استقرار سعر الصرف من خلال وقف طباعة العملة، وقف منصة صيرفة، وعدم تغطية عجز الدولة واجبارها على تمويل نفقاتها من خلال ايراداتها فقط، وعدم المسّ بما تبقى من احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية والعمل على زيادته. لكن قرار تحويل ميزانيات المصارف على سعر 89500 ليرة للدولار هو قرار يحتاج الى تغطية سياسية، لأنه الخطوة الاولى نحو خروج كثير من المصارف من القطاع واعلان افلاسها، والجميع يعلم أن «لوبي المصارف» له كلمة فصل لدى اطراف وازنة في المنظومة.

في المقابل هناك من يعتقد ان هذه الخطوة ربما تحظى برضى المنظومة السياسية التي تحاول اقرار الكابيتال كونترول واعادة الانتظام المالي، وعليها البدء من مكان ما ولا بأس من أن تكون بعض المصارف كبش محرقة، طالما أن هناك مصارف استطاعت تدبير أمورها، وان جمعية المصارف باتت مشرذمة ومشلّعة الآراء والمصالح. مع الاشارة أن توحيد سعر الصرف واعادة هيكلة المصارف من البنود التسعة التي نصّ عليها الاتفاق الاولي الموقع بين لبنان وصندوق النقد في نيسان 2022.

على أي حال، امام الحكومة اقل من شهر لتحويل جملة مشاريع قوانين مفصلية الى مجلس النواب. لكن المصارف تحظى بتواطؤ رؤساء لجان نيابية يقفون عند خاطرها ويراعون مصالحها، علماً بان توحيد اسعار الصرف من دون سلة حلول شاملة مترابطة سيؤدي الى افلاس مصارف، على ان تبقى العقدة في كيفية اعتراف مصرف لبنان بخسائره وانعكاس ذلك على ميزانيات المصارف. فماذا يقول الخبراء؟

أفيوني: ضرورة اعتماد تقييم واقعي لشهادات الإيداع لدى «المركزي» والمؤونات اللازمة مقابلها

يعبّر الوزير السابق للاستثمار والتكنولوجيا والخبير المصرفي عادل أفيوني عن «أسفه من أن المصارف لا تزال منذ أكثر من 4 سنوات على الانهيار، تصدر ميزانيات افتراضية لا تمت الى الواقع بصلة، وتعتمد على ارقام غير واقعية ولّى عليها الزمن. وكما نعلم، لا نهوض أو انقاذ لأي قطاع مصرفي من دون ميزانيات شفافة وصادقة».

يقول لـ»نداء الوطن»: «من جهة أولى، لا تزال المصارف تعتمد على سعر صرف رسمي نظري لتقييم ميزانياتها. ومن جهة ثانية لا تزال تعتمد على تقييم نظري لشهادات الايداع لدى البنك المركزي، ومن جهة ثالثة لا تزال تستخدم مؤونة زهيدة غير منطقية مقابل تلك الشهادات»، معتبراً أن «هذه «الهندسات المحاسبية» تغطي وتخفي وتنكر الخسائر الفعلية وتجعل معالجتها ومعالجة وضع المصارف أصعب، وتضلل المودعين الذين يجهلون الوضع المالي الحقيقي لمصرفهم وتجعل أي اعادة رسملة مستحيلة».

يضيف: «ان تقييم الميزانيات والخسائر بشفافية لا يمنع ان تستمر المصارف بمطالبة الدولة بتحمل جزء من خسائرها. لكنه خطوة اولى بديهية واساسية للوصول الى أي حل، والا كيف ننقذ القطاع ونعيد هيكلة المصارف ونعالج كارثة الودائع اذا استمر الاعتماد على ميزانيات افتراضية؟».

يصف أفيوني «خطوة اعتماد سعر صرف السوق بالخطوة الجيدة وكان يجب اقرارها منذ سنوات، لكنها لا تكفي بدون اعتماد تقييم واقعي لشهادات الايداع التي تحملها المصارف لدى المركزي، واعتماد تقييم واقعي للمؤونات المطلوبة مقابل ودائع المصارف لديه»، مشدداً على ذلك «لا يكفي بدون حل شامل ونزيه وعادل لميزانيات المصارف ولميزانية مصرف لبنان ولاعادة هيكلة الدين العام، فكل هذه الازمات مترابطة».

ويختم: «أما الاستمرار باجراءات القطعة، فهو استمرار لسياسة المراوحة والمماطلة والنكران التي يدفع ثمنها كل يوم المودع العادي والقطاع المصرفي والاقتصاد».

رياشي: لم تعد جمعية المصارف صوتاً واحداً، وربما هذا التشتت لمصلحة البلد

من جهته يوضح رئيس مجلس إدارة I&C Bank جان رياشي لـ»نداء الوطن» أن «اكثر المصارف لديها مركز قطع سلبي، أي أنهم مدينون بدولارات أكبر من المبالغ التي يملكونها. وبحسب المعلومات التي أملكها، بعض المصارف استطاعت ان تشتري من مصرف لبنان دولارات مقابل ليرة على سعر 15000 ليرة، وهذا يعني ان هناك مصارف لديها مركز قطع سلبي ومصارف اخرى مركز قطع ايجابي أو محايد»، جازماً بأن «من سيتأثر حسابياً من المصارف بهذا التغيير، هو المصرف الذي لديه مركز قطع سلبي، وسيضاف ذلك الى خساراتها على اليوروبندز وعلى الموجودات في مصرف لبنان والتي من المفروض معالجتها بطريقة ما. بمعنى آخر سيحل في الشق المحاسبي للمصارف خسارة اضافية، ويقال ان بعض المصارف سيؤدي بها هذا التغيير الى نتيجة محاسبية تفقد بموجبه رأسمالها».

يرى رياشي أنه «اذا طبقنا المعايير الدولية للمحاسبة وان مصرف لبنان لا يملك امكانية رد الودائع للمصارف، فهذا يعني ان اغلب المصارف لديها عجز في الرأسمال. في ما يتعلق برد جمعية المصارف المحتمل على هذه الخطوة، يجزم رياشي أنه «لم يعد هناك شيء اسمه جمعية المصارف، فالمصالح بين المصارف باتت مختلفة، وهناك اختلاف بين من يستطيع أن يتحمل التشريعات والخطط الحكومية وأخرى لا يمكنها التحمل، وبين مصارف لا مشكلة لديها في تغيير سعر الصرف وبين مصارف ستذهب الى التصفية واخرى ستبقى»، معتبراً أن «أن كل مصرف صار لديه مصلحة خاصة ولم يعد هناك مصلحة مشتركة تجمع بينها. وجمعية المصارف تعاني من شلل بسبب فقدان الاجماع حول الاهداف التي تريد تحقيقها».

يضيف: «شخصياً لا أعرف ماذا ستكون ردة فعل جمعية المصارف، ولكن برأيي كل مصرف يسعى لأن «يدبر راسو» ولكن كجمعية لم تعد صوتاً واحداً، وربما هذا الامر لمصلحة البلد. هذه الخطوة (اعتماد سعر صرف 89500 ليرة) هي على طريق اعادة التوازن المالي، اذ لا معنى لميزانيات المصارف اذا كانت تحتسب على سعر صرف غير موجود في السوق»، مشيراً الى أن توصيات صندوق النقد والمؤسسات الدولية تلحّ على اظهار الارقام الحقيقية للمصارف، وبالتالي هذه الخطوة ستكون ايجابية».

يستدرك رياشي قائلاً إنه «بعد ذلك علينا معالجة خسارات مصرف لبنان والتي لا تقابلها بعد ما يوازيها في ميزانيات المصارف، علماً أنه اظهر الخسارة. ومن المفروض أن تأخذ المصارف مؤونات ولكن في حال قامت بهذه الخطوة تصبح خسائرها نحو 60 مليار دولار، ولا يمكن لأي طرف أن يتحملها»، جازماً بأن «هناك ربطاً بين قانون اعادة هيكلة المصارف وقانون اعادة التوازن المالي الذي يدرس في مجلس النواب حالياً، في محاولة لالغاء جزء من هذه الخسارات عن كاهل المصارف، والزامها بمبلغ معين للودائع وهو ما يعرف اليوم برد الودائع بقيمة 100 ألف دولار».

يرى رياشي أن «هذه الخطوة (تحويل ميزانيات المصارف على سعر دولار 89500)، لا تكفي لتظهير وضعية المصارف. والمطلوب اذا اردنا ان نكون واقعيين وشفافين، الاعتراف بان اي مؤسسة عليها ديون ولا تتمكن من تسديدها يجب ان تسجل مؤونة، وهذا سيؤدي الى خسارة. لكن حجم الخسارة في المصارف اللبنانية كبير لدرجة أنه من غير المعروف اذا سجلنا هذه الخسارة في ميزانيات المصارف فهل نعلن افلاسها أم نعود الى تطبيق مشاريع صندوق النقد الدولي والحكومة، التي تريد الابقاء على قسم من التزامات المصارف داخلها، وتحميل قسم آخر لصندوق استرداد الودائع الذي من غير المعروف كيف سيتم تمويله»؟

ويختم: «ترك الالتزامات على المصارف فقط والتي تقدر بـ90 مليار دولار، واعتبار أن مصرف لبنان لا يملك الا نسبة قليلة من هذا المبلغ، يعني أن هناك خسارة وقعت يمكن اظهارها حالياً ويمكن تأجيلها الى حين وضع خطة شاملة تزيل قسماً من هذا العبء عن كاهل المصارف، لأن خسارة القطاع لـ60 مليار دولار يجب تغطيتها باعادة رسملة، ولن يكون هناك مستثمرون يضعون 60 مليار دولار في رأسمال المصارف لرد الودائع، فهذا الامر غير واقعي».

غبريل: إعتماد سعر السوق سيضرب رساميل المصارف ويؤدي إلى إفلاسها

يذكّر مدير مركز الابحاث في بنك بيبلوس والخبير الاقتصادي نسيب غبريل أن «ميزانية المصارف تحتسب الآن على سعر دولار 15000 ألف ليرة، والمصارف ستبقى تعمل وفقاً لهذا السعر الى حين صدور قرار من مصرف لبنان لتغييره»، لافتاً لـ»نداء الوطن» أن «تعديل هذا السعر ترافق مع تغير الارقام في ميزانية المصارف وحصل تعديلات في الميزانية المجمعة لها، أي أن نسبة الدولرة ارتفعت كثيراً بالودائع والتسليفات، وحجم الودائع تقلص ككل بالليرة اللبنانية والدولار وتراجع ايضاً رأسمال المصارف، وهو اليوم نحو 5 مليارات دولار».

يعتبر غبريل أنه «في حال قرر مصرف لبنان تعديل سعر الصرف للتداولات بينه وبين المصارف التجارية وليس فقط تعديل صرف السحوبات، فهذا يضرب رأسمال المصارف وعملياً يؤدي الى افلاسها، ولا اعتقد ان المركزي سيقدم على هذه الخطوة وهو يعرف النتائج، بل سيتم الامر بطريقة مدروسة ومتقنة»، مذكراً أن «هناك مشروعاً لاطلاق منصة جديدة بديلة عن منصة صيرفة تحت اشراف وكالة بلومبرغ، لكن تأجّل هذا الامر بسبب أحداث غزة وهدف المنصة اولاً تحديد سعر الدولار بحسب العرض والطلب بشفافية، والخطوة التالية هي توحيد سعر الصرف وفقاً لما يقرره مصرف لبنان».

ويشدد على أن «توحيد سعر الصرف في الوقت الحالي سيطيح برأسمال المصارف وبالقطاع ككل، ومصرف لبنان واع لهذا الامر وسيأخذه بعين الاعتبار ولن يتخذ قرارات سريعة ومتهورة لارضاء بعض الضغوط الشعبوية حول هذا الموضوع، ولننتظر قليلاً من دون استباق للامور لمعرفة ماذا سيكون قرار مصرف لبنان في هذا الموضوع».

ويذكّر أنه «حين وقع لبنان الاتفاق الاولي مع صندوق النقد في نيسان، نص على تنفيذ 9 اجراءات مسبقة منها توحيد سعر الصرف الذي كان ترتيبه بالبند الاخير، كي تكون هذه الخطوة في بند اصلاحي وفي ظل استعادة الثقة»، جازماً بأن «توحيد سعر الصرف ليس مدخلاً لاعادة هيكلة المصارف، بل احد الاجراءات كي يعمل البلد بجو عمل طبيعي واقتصاد فعال، ولتجنب الاعباء على ميزانيات المؤسسات والمصارف والدولة على حد سواء».

ويرى أن «اعادة هيكلة المصارف تبدأ باقرار قانون الكابيتال كونترول والتوازن المالي، وليس من الضروري ان يكونا بصيغتهما الحالية. فالحكومة سحبت قانون الكابيتال كونترول من مجلس النواب وهي بصدد ادخال التعديلات عليه ولديها مهلة للقيام بذلك حتى شباط المقبل»، مشيراً الى أن «مشروع قانون اعادة التوازن المالي والذي سيحدد مصير الودائع موجود منذ عام في مجلس النواب. ومشروع قانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي لم تقره الحكومة بعد».

ويختم: «الحديث عن اعادة هيكلة المصارف من باب توحيد سعر الصرف ليس شرطاً اولياً، بل احد الاجراءات المسبقة في الاتفاق الاولي مع صندوق النقد الدولي لتفعيل العمل الاقتصادي».