عدم الكشف عن تقرير التدقيق الجنائي يضع علامات استفهام حول مضمونه: ما الّذي يخشاه وزير المال؟!

خلق السجال حول نشر تقرير التدقيق الجنائي صراعاً في الشارع اللبناني، حتى قبل الاطلاع على مضمونه ومعرفة مدى خطورة التفاصيل التي يتضمنها. ويعتبر التدقيق الجنائي المدخل الأساسي للكشف عن الفساد المالي في البلاد منذ عقود من الزمن، ويؤدّي حتماً إلى الكشف عن الأسباب التي أدّت إلى هذا الانهيار الذي نعيشه، والذي أوصل البلاد إلى أكبر أزمة ماليّة-إقتصادية تمرّ بها.

مشروع رحلة الألف ميل في التدقيق الجنائي بدأ في نيسان 2020، عندما أعلنت وزارة الماليّة انطلاق المشروع تلاها، في تموز من العام نفسه موافقة الحكومة على تعيين شركة “الفاريز أند مارسال” لاجراء التدقيق، والذي يتضمن إجراء فحص دقيق للسجلات الماليّة. تعثر عمل الشركة عدّة مرّات، إلى أن أشيع مؤخراً عن تسليم “الفاريز اند مارسال” تقريرها إلى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، الذي أكد أن “ما تسلّمه من الشركة ليس سوى مسودّة أوّلية للتقرير الذي تعده للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، وهو ليس التقرير المتكامل والنهائي”.

وأكد خليل أن “دور وزارة المالية في هذا الشأن هو دور وسيط ما بين المصرف والشركة وذلك وفقاً لبنود العقد، لتوفير المعطيات التي يحتاجها التقرير، وستعمد فور تسلّمها التقرير النهائي إلى رفعه لمجلس الوزراء صاحب الصلاحية في التصرف بمضمونه”.

وفي هذا الاطار تشرح مصادر مطلعة، عبر “النشرة”، أنه استناداً إلى العقد الموقّع مع الشركة، فإنه “يحق لوزير المال، وتبعا لتقديره الشخصي، اطلاع أي جهة رسمية عائدة للدولة اللبنانيّة على التقرير التمهيدي للتحقيق الجنائي، كاملاً أو لأجزاء منه، دون طلب موافقة الفاريز اند مارسال المسبقة”، لافتة إلى أن “هذا الأمر يدحض كل الكلام الذي صدر سابقاً عن مسؤولين، أكدوا فيه أنه لا يمكن دراسة أو استخدام التقرير دون الحصول على موافقة الشركة، التي يحق لها ملاحقة لبنان في اطار دعوى تحكيم في فرنسا وخاضعة للقانون البريطاني”.

وشدّدت المصادر على أنه “لا يجب حجب الحقيقة عن الشعب اللبناني، كما لا يمكن عدم ملاحقة مقترفي الجرائم الماليّة ضد لبنان”. بدوره المحامي العام التمييزي السابق جان طنوس أكد، في تصريح له على مواقع التواصل الاجتماعي، أن “التقارير الماليّة الصادرة عن مؤسسات التدقيق الدولية، بناء على طلب الدولة اللبنانية وبتمويل منها، تشكل مستندات إداريّة لبنانيّة، ويمكن بالتالي لأيّ مواطن الاستحصال عليها، سنداً لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات، طالما أنها غير سرية بموجب القانون”.

إذاً، لا يجوز أن يستمرّ الجدال حول نشر تقرير التدقيق الجنائي لا بل على وزير المال الكشف عنه، لأنّ الاستمرار في هذا الشكل يضع علامات إستفهام حول مضمونه وخطورة ما يتضمّنه، ما يدفع بالمسؤولين إلى السعي لعدم الكشف عنه.