موازنة 2023: ضرائب على كل شيء

بحسب مشروع موازنة 2023، ستبلغ قيمة النفقات نحو 181,923 مليار ليرة وإيراداتها 147,739 مليار ليرة. وسيبلغ عجزها 34,184 مليار ليرة، أي ما يوازي 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي المقدّر من صندوق النقد الدولي بـ 16.2 مليار دولار. لا يخلو بند في جانب الإيرادات من الزيادات الهائلة، حتى إنه ورد في المادة 43 مضاعفة الرسوم «على اختلاف أنواعها» 30 مرّة. ويبدو أن المقيمين في لبنان، سيترحّمون على أيام فؤاد السنيورة، لأن هذه الموازنة تصيب كل الأنشطة الحياتية، وصولاً إلى فرض رسم على كل ليتر من المشروبات الغازية بـ5000 ليرة، وعن كل قدح من العرق، فضلاً عن زيادة كل أنواع الضرائب المترتّبة على «الرخص»، وعلى المبالغ التي تُقتطع من ورثة المُتوفى لدى المصرف (3%)… أما أسوأ ما في هذه الموازنة، فهو ما ورد في ختامها، أي المادة 80 وبموجبها ترفض الدولة الاعتراف بأن ما منحته من زيادات على الأجور لموظفيها هو «غلاء معيشة»، أي أن هذه الزيادات لن تحتسب في أساس الراتب ولا تدخل في حساب التعويض والمعاش التقاعدي. السلطة بكل وقاحة تقترح أن تسرق عمّالها بموازنة توقيتها غير دستوري وتجمع الأسوأ بين ما ترغب فيه قوى السلطة، ومعايير صندوق النقد الدولي، والجريمة الكبرى أنها تعترف بالدين الذي رتّبه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الخزينة بقيمة 16 مليار دولار، لا بل ستدفع له فوائد.

لكنّ مشكلة الموازنة التي يقدّمها الخليل نيابة عن رئيسه المباشر نجيب ميقاتي، ورئيسه السابق رياض سلامة، لا تكمن في محاولة يمكن اعتبارها «نبيلة» لتوحيد سعر الصرف، إنما في غياب أي رؤية اقتصادية. فالخليل، بحسب المطّلعين، تلقّى الكثير من الضغوط التي بلورت لديه موقفاً ضمنياً من موقعه في وزارة المالية لم يدفعه نحو الاستقالة بعد، رغم أنه يقول أمام زواره إن «الأمور صعبة في لبنان إلى درجة كبيرة، إذ هناك حدود لكل الملفات لا يمكن تخطّيها». أيضاً يُنقل عن الخليل قوله إن: «قوى السلطة أبدت رغبة واضحة في رفض التعامل مع صندوق النقد الدولي في الفترة الماضية» لكنه يتساءل حول وجود «مؤشرات مغايرة في الشهر الأخير قد تدفعها إلى الانخراط في العلاقة التي كانت ترفضها مع الصندوق».

 

المهم، أن مشروع موازنة 2023، هو مشروع تعديل الضرائب والرسوم، وتمهيد الطريق نحو ما يسمّيه صندوق النقد الدولي «إصلاح القطاع العام»، أو «إعادة هيكلته». كل ما يمكن أن يخطر على البال من ضرائب ورسوم وغرامات يُدفع قبل الاستهلاك أو أثناءه أو بعده، جرت زيادته بشكل كبير. رسوم إضافية على الكحول المنتجة محلياً وعلى استهلاك القدح، ورسوم على رخص صيد السلاح، ورسوم على الترشّح للانتخابات النيابية والبلدية، والتأخير في تنفيذ وثيقة الوفاة، وكل أنواع الرخص التي تصدرها الدولة والبلديات ومنها رخص استثمار الأملاك العمومية ورخص استخراج المياه لغايات صناعية، ورخص المقالع والكسارات، ورخص البناء، ورخص صيادي الأسماك، ورخص الباعة المتجوّلين، ورخص الحمّالين «العتالين»، وكل شهادات البراءة والاختراع وما يتعلق بالملكية الفكرية، ورسوم السفر، وحتى الرسوم على مولّد الكهرباء ورسوم «النافعة»…

اللائحة طويلة جداً، وفيها إعفاءات تستهدف فئة المصارف تحديداً، ولا سيما من ضريبة التحسين العقارية. فقد أعفيت المصارف من تسديد ضريبة التحسين على إعادة تخمين موجوداتها العقارية في حال «استُخدمت لتغطية خسائر… أو أبقيت في حساب مستقلّ في الميزانية». عملياً المصارف ستستخدمها لغاية إطفاء الخسائر، وهذا هو الهدف من تلزيم شركة متخصّصة لتخمين قيمة موجودات المصارف العقارية بمبلغ 11 مليون دولار. التخمين سيكون على حساب المال العام، وأصحاب المصارف مُعْفَوْنَ!