أسعار السلع في الأعياد: قبل السؤال ليس كما بعده

دائماً ما يقتنص التجّار فرصة الإقبال على الشراء في فترات معيّنة من السَنة، لرفع أسعار السلع والخدمات، فيما يعتاد اللبنانيون الأمر، على اعتبار أنّ تلك الفترة هي “موسم” يُقبِلون خلاله -بوصفهم مستهلكين- على الاستهلاك بمعدّلات أعلى، مقارنةً مع المعدلات المعمول بها باقي أيام السنة.

كل الأيام أعياد
لم تتجاوز نسبة ارتفاع الأسعار في فترات الأعياد، سواء في شهر رمضان أو الميلاد ورأس السنة… وغيرها، “حوالى 10 إلى 15 بالمئة”، لتعود بعد أسبوع أو أسبوعين على أبعد تقدير، إلى وضعها الطبيعي والمعتاد، وفق ما يؤكّده رئيس جمعية المستهلك، زهير برّو، في حديث لـ”المدن”.

ومنذ نحو عام، لم تعد أسعار السلع والخدمات مرتبطة بالمواسم والأعياد، “بل بالدولار وبمسار انهيار الدولة”. ولعلَّ حجم ارتفاع الأسعار، أوحى بأن كلّ الأيام أعياد، باستثناء جوّ الفرح والطمأنينة، اللذين بدَّدَهما السجال السياسي والتدهور الاقتصادي، وحالات التفلّت الأمني المتفرّق بين المناطق، على شكل سرقات هنا وحوادث قتل هناك، ناهيك بجريمة تفجير المرفأ… وكلّها عوامل تكاتفت لترفع الأسعار “إلى نحو 412 بالمئة كمعدّل عام”. مع الاشارة إلى أنّ مستوى الارتفاع انقسم بين “نحو 200 بالمئة للسلع المنتجة محليّاً كالخضار والحبوب والفاكهة، وذلك عن الفترة الممتدة بين تشرين الأول 2019 وتشرين الأول 2020، ونحو 500 بالمئة للسلع المستوردة، نظراً لارتباطها بالدولار بشكل كامل”. وبالتوازي مع هذا الارتفاع، سجّلت أسعار الخضار والفواكه، على حد قول برّو “ارتفاعاً غير مسبوق خلال الشهرين الأخيرين”.

سياسة الدعم
حاولت السلطة السياسية رمي الرماد في عيون مَن فقدت رواتبهم وأجورهم قدرتها الشرائية، من خلال ابتداع آليات للدعم، “لم يستفد منها غير كبار التجّار والمحتكرين”، وفق برّو. ففي حين كانت القدرة الشرائية للعائلات متوسّطة الحال والفقيرة، تتراجع “بحدود 400 بالمئة”، كانت نسبة الدعم “تصل إلى ما لا يزيد عن 10 بالمئة من محتاجيها”. ومع ذلك، تستمر السلطة في بحث آليات سطحية لاستمرار الدعم، من دون بلوغ العمق. علماً بأنّ الدعم بكافة أشكاله ومسمّياته، آيلٌ للتوقّف قريباً، لعدم وجود حزمة نقدية كافية لاستمراره. ما يعني أن البلاد تتّجه نحو تفاقم أزمة الأسعار والسلع، من دون امتلاك الدولة إمكانيات الحل.

ويتوافق رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي، مع برّو، حيال فشل صيغة الدعم من جهة، وانفلات الأسعار من إطار المقاربة والمقارنة مع ما سبق من السنوات. فالمقارنة اليوم “ترتبط بتحديد نوع السلعة والعملة المراد الدفع بها، بالإضافة إلى تحديد سعر الصرف وما إذا كانت السلعة خاضعة للدعم أم لا”، وكلّها مقاييس تحدد ما إذا ارتفعت الأسعار أم انخفضت، برأي بحصلي.
ولوضع إطار أوضح للمقاربة، يفصل بحصلي خلال حديث لـ”المدن”، بين مقارنة الأسعار بالدولار وبين مقارنتها بالليرة، فإذا جرت المقارنة بالدولار، فإن “الأسعار انخفضت”، فيما “ارتفعت” بالليرة. لكن مع أعلى نسبة انخفاض قد تسجّله الأسعار، يبقى أنّ “استيعابها مِن قِبَل 90 بالمئة من اللبنانيين، أصبح غير ممكن”. وذلك يستدعي “التحذير من خطورة الوضع الذي بات يحتاج إلى حلّ سياسي، لا إلى حلول الدعم بشكلها المطروح حالياً”. على أنَّ أبرز عملية دعم قد يتلقّاها اللبنانيون، هي “وقف هدر المال والتجارب التي تقوم بها الدولة من طرح للبطاقة التموينية وغير ذلك، رغم أهميّتها.. والتطلّع إلى تشكيل حكومة قادرة وفاعلة، تنال ثقة الداخل وثقة دول الخليج وأوروبا، فتلك الجهات قادرة على توظيف أموال تساعد لبنان على تمويل السلة الغذائية”.

زيادة الأجور
يشير معدّل التضخّم الذي يعبّر عنه الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك في لبنان، إلى اتّساع الفجوة بين حجم الرواتب والأجور وقيمتها، وبين معدّل الأسعار. وحسب إدارة الاحصاء المركزي، فإن الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك لشهر تشرين الثاني 2020، ارتفع بنسبة 133.47 بالمئة مقارنة مع شهر تشرين الثاني 2019. أمّا الرقم القياسي لشهر تشرين الثاني 2020، فقد سجل ارتفاعاً بنسبة 0.52 بالمئة مقارنة مع الشهر الذي سبق.

وهذا التفاوت الكبير في النسب المئوية، يُعتَبَر داعماً للمطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور، تماشياً مع ارتفاع السلع. غير أنّ تلك الزيادة قد ترفع الرقم القياسي إلى معدّلات أعلى مما هي عليه، لأنها لن تتناسب مع المعطيات الاقتصادية والنقدية على أرض الواقع. فزيادة الأجور تعني زيادة الكتلة النقدية التي تفتقد في الأصل إلى دعم في قيمتها، وبالتالي، تكون الدولة في تلك الحالة قد زادت أوراقاً بلا قيمة، ورفعت معدّل التضخّم الذي سيترافق مع ارتفاع إضافي للأسعار.

دورة الحياة الروتينية التي اعتادها اللبنانيون لسنوات، شابتها أزمة اقتصادية ونقدية أطاحت بكل ما هو معتاد. حتى أنّ معدّل ارتفاع الأسعار لم يعد قابلاً للقياس بشكل دقيق، لأنه انفلت من أي تأثير يمكن أن يضبط ارتفاعه.. وكل ذلك، جعل موسم الأعياد، وبخاصة عند نهاية العام الحالي، مساحة قلق وتوقُّع شبه لحظي للأسعار. فصَحَّ بذلك القول، بأن الأسعار قبل السؤال عنها، ليست بالمستوى عينه بعد السؤال.