اشتمونا ولكن لا تحاسبونا

منذ اندلاع الأزمة المالية وحتى اليوم، تكثر التحليلات والنظريات واقتراحات الحلول لكثير من الخبراء والاقتصاديين والمصرفيين، ومنهم الذين دأبوا على شتم المصارف وتحميلها المسؤولية واتهامها بالفساد. ويأتي هؤلاء باقتراحات حلول لتأمين إعادة الودائع وانتظام القطاع المصرفي.

ولكن الملفت، انّه لم يبادر أحد من المنتقدين والشاتمين ومقترحي الحلول إلى المطالبة بمعرفة واقع كل مصرف على حدة، عبر الكشف عن اوراقه الكاملة، والتي تحدّد حقيقة ما حصل وقيمة الودائع في كل مصرف، وما أخذ مصرف لبنان المركزي منها، إلخ… أي في اختصار، مجموعة الاسئلة التي نطالب بها مراراً لفهم واقع كل مصرف.

فتأتي الانتقادات عامة غير محدّدة، وكأنّ لا رغبة لأحد في معرفة الحقيقة الكاملة التي ادّت إلى الأزمة وتسببت بخراب بيوت الناس.

فربما يشتمون المصارف لإلهاء الناس وتمييع الموضوع من دون المطالبة بأي حقائق، وفي المقابل يربح هؤلاء صدقية انّهم الى جانب المودعين، ولكنهم في الحقيقة يخدمون اصحاب المصارف.

إنّ كل من لم يطالب بالكشف عن اوراق كل مصرف لمعرفة حقيقة ما حدث بالتفاصيل يكون مخطئاً او هو مدافعاً عن المصارف، لأنّ المصارف يهمّها ان تبقى الامور على ما هي عليه من انتقادات وشتائم، ولكن من دون محاسبة حقيقية. فأهمية التدقيق اليوم هو ان نعرف وقائع ما جرى قبل المباشرة في اي حلول، لنتمكن من معالجة المشكلة جذرياً ووضع القوانين اللازمة، لنحرص على عدم تكرار ما حصل.

وفي المقابل، تلتزم المصارف الصمت متحمّلة النقد والشتائم من دون محاولة منها ايضاً لتفسير الواقع وشرح حقيقة ما حصل للمودعين والناس. وكأنّهم يقولون: “اشتموننا بمقدار ما شئتم ولكن لا تحاسبونا”.

ولا يهمّ اصحاب المصارف انّهم باتوا يطلقون على المصارف تسمية “مصارف الزومبي”، ويبدو انّ هؤلاء لا يطمحون الى الاستمرار بالعمل في القطاع المصرفي، بل إمرار المرحلة لتحقيق مقدار ما استطاعوا من مكاسب من اموال المودعين، ولا يهمّهم على ما يبدو انهيار القطاع المصرفي في لبنان وتبعاته. فاذا نجحوا في مخططهم بالاستيلاء على الودائع، يكونون هم ومن ساعدعم من بعض المسؤولين قد نجحوا في تحقيق ثروات طائلة تكفيهم، ولن يحتاجوا بعدها ليعملوا.

وبالإضافة إلى الخبراء المتعددين، هناك اجواء تيئيس تمّ بثها بين الناس، مفادها انّ المصرف المركزي أضاع القسم الأكبر من الودائع ولا مجال لإرجاعها. كل هذه الإشاعات السلبية هدفها بث اليأس في نفوس المودعين ليقتنعوا بما هو ضئيل.

حان الوقت لأن تجيب المصارف، كما المصرف المركزي، عن الأسئلة التي لطالما سألناها في مقالات سابقة، وتحديداً ماذا أخذ المصرف المركزي من كل مصرف على حدة ولم يُرجعه؟

عليكم ان تعيدوا اموال الناس، تلك التي بقيت في حوزتكم بالإضافة الى المبالغ التي أُخذت بطرق غير قانونية كما ذكرنا. وأنتم تعلمون انّ الثقة بالقطاع المصرفي لن تُستعاد اذا لم ترجعوا اموال الناس، وانّ استمراركم على هذا المنوال يؤسّس لضرر كبير لا يُطاول المودعين فحسب، بل هو مدمّر لمستقبل لبنان الاقتصادي وقطاعاته كافة. تجنّبوا مراكمة الخراب للبلد وتدمير المستقبل.

ونكرّر، انّ ما أخذتموه من الناس ليس أرباحاً، بل هو سرقة واضحة، ويجب ان تتمّ المحاسبة عليها، وإن كانت الحكومات الحالية لم تحاسبكم فهذا لا يعني انّ ما قمتم به وتسببتم به قانوني وسيمرّ، ستأتي المحاسبة يوماً، فأنتم مدينون للملايين بجنى أعمارهم، وهذا مال الناس وتعتيرهم سيلاحقكم دائماً، وسيلاحق اولادكم وذريّتكم من بعدكم، لأنّ الحق لا يموت.