الأزمة المالية تهدّد العقود المبرمة مع القطاع العام

في سياق رأيه حول تداعيات الازمة المالية على العقود في القطاع العام رأى ديوان المحاسبة أن الأزمة المالية والاقتصادية التي حلت بلبنان بدءاً من نهاية العام 2019 ظهر تأثيرها جلياً في العقود والالتزامات كافة منذ بداية العام 2020 وقد أثرت بقوة على العقود الجارية بين الإدارات العامة والملتزمين حتى نتج عنها وقف تنفيذ واقعي لبعض العقود واستمرار للبعض مع إشكاليات تنامت سلباً مع استفحال الأزمة وتراخيها زمنياً.

وقال في سياق مقدمة الدراسة التي اعدها واطلعت «نداء الوطن» على نسخة منها «ان العقود الجارية بين الإدارات العامة والملتزمين ليست على نوع واحد، كما أن تأثرها بالأزمة ومضاعفاتها لم يكن على نفس المستوى فالبعض منها ممول جزئياً أو كلياً من جهات خارجية مانحة أو مقرضة، والبعض الآخر تمويله داخلي الأمر الذي أظهر في الصورة تفاوتاً وعدم عدالة في الموجبات المتقابلة بين فريقي العقد بحسب مصدر التمويل، فثمة من لم يتأثر بانخفاض حقيقي في الثمن الذي تقاضاه مقابل قيمة العقد نتيجة تدني قيمة النقد الوطني – مصدر عقده واستمراره في العمل والمحاسبة على أساس السعر الرسمي المعتمد منذ ما قبل حلول الأزمة. وبما أن اختلاف أنواع العقود يظهر جلياً في مكوناتها فالبعض منها يشتمل على عناصر معينة زادت تكاليفها بالعملة الوطنية (نظير الأجر والمواد الأولية ذات المصدر الوطني) وتأثرت بالأزمة ولكن بنسبة أقل من تأثر غيرها المنطوية على عناصر أخرى خارجية المصدر (كالمحروقات أو الحديد أو المواد الأولية المستوردة) كما أن بعضها استفاد من دعم معين للمواد الأولية التي يقوم عليها العقد وبقي غيرها من دون أي دعم حكومي.

وجاء في الرأي الاستشاري، الصادر عن ديوان المحاسبة والمعطوف على قرار مجلس الوزراء رقم 11 تاريخ 29/9/2021 الرامي إلى تشكيل لجنة وزارية مكلفة بمعالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرافق العامة ضرورة إعادة النظر بالأسعار بالاستناد إلى الأسعار الرائجة لإعادة التوازن المالي للعقود باعتبار ان ارتفاع سعر العملة الأجنبية تجاه العملة الوطنية قد تجاوز حتى تاريخه 19 ضعف ما كان عليه، وهو لا شك أثر في كل العقود وقد تجاوزت نسبة الزيادات، في معظمها أكثر من خمسين بالمئة أضعافا مضاعفة، الا انه يقتضي الاخذ بالاعتبار ان اختلال توازن العقد مسألة نسبية تحدد بالنظر لكل عقد على حدة وبمدى توفر الشروط اللازمة لتطبيق نظرية الطوارئ، وبمدى الاختلال الحاصل.

وحول مدى إمكانية إنهاء العقود الادارية الموقعة مع القطاع العام: خلص ديوان المحاسبة الى اعتبار أن الفقه والاجتهاد أجازا لصاحب العقد طلب فسخه حتى وإن كان التنفيذ غير مستحيل، وان خصوصية القوة القاهرة من حيث الشروط ترتب نتائج خاصة بحيث تجيز طلب الفسخ من دون مسؤولية طرفي العقد.

ويمكن التعويض على الملتزم بنسبة لا تتجاوز التسعين في المئة من الخسارة اللاحقة به، على ان يؤخذ بالاعتبار مختلف بنود العقد وغيره من العقود الجارية مع الملتزم نفسه ونسبة الخسارة أو الأرباح المحققة فيها بمجموعها؛ كما أن التعويض يحتسب نسبة إلى الخسارة الفعلية الواقعة في التلزيم وبمكوناته الأساسية وفق تحليل الأسعار ومدى تأثرها بالتغيرات المالية الحاصلة.

وحول مدى امكانية تعديل قيمة العقود القائمة والمتعلقة بالتشغيل والصيانة اعتبر رأي ديوان المحاسبة أن إعادة التوازن المالي للعقد يمكن أن يكون قضائياً او اتفاقيا يقرره الفريقان سلفاً عند إبرام العقد أو بشكل لاحق عند حصول زيادة الاسعار، ويمكن التعويض على الملتزم جراء الطارئ الاقتصادي الذي لحق بالعقد من خلال اجراء ملحق (Avenant) على العقد المذكور يتم فيه تعديل الاسعار الأساسية الملحوظة بشكل يتناسب مع الارتفاع الحاصل في تلك الاسعار شرط أن يكون العقد الاساسي ما زال قيد التنفيذ.

كما يمكن في فترات تقلبات الأسعار ان يتم تحديد الثمن في العقود الإدارية بطرق ووسائل مختلفة وليس ما يمنع من ان تكون متحركة بحيث تتجاوب مع التقلبات الاقتصادية في الأسعار .

اما لناحية تأثير الازمة المالية على مصير البنود الجزائية الواردة في العقود فقد أقرّ الاجتهاد استثنائياً بحق الادارة بالتقدير في ما يتعلق باستيفاء الغرامة او تعديلها لناحية التخفيض أو التسامح بها كلياً، إلا ان هذا الحق ليس مطلقاً بل يجب تبرير الأسباب القانونية والواقعية التي دعت إلى اتخاذ قرار التخفيض أو الاعفاء، ذلك ان الغرامة متى تحققت تدخل في نطاق الاموال العمومية .

وأتى في الاقتراحات والحلول التي تضمنها الرأي الاستشاري، لمواجهة تداعيات الأزمة المالية على العقود في القطاع العام:

– في اطار تعديل قيمة العقود القائمة والمتعلقة بالتشغيل والصيانة يقتضي وضع معادلات الأسعار وفق الأصول الفنية والقانونية وعلى اسس واقعية تظهر حجم المتغيرات في كل عنصر من عناصر العقود الإدارية.

– كما يقتضي توحيد الاحكام المتبعة في اطار التعديل والتعويض بحيث تنطبق على مختلف العقود وفق المدد الزمنية المرتبطة بها بحيث تصنف تلك العقود وفق فئات معينة تنطبق على كل فئة منها الأحكام والأصول نفسها ضمن الضوابط عينها.

– وفي اطار مدى إمكانية إنهاء العقود الادارية الموقعة مع القطاع العام او استمرارها، فإنه يقتضي أن ينطلق من المنفعة والضرر باختلاف موضوع العقد، ويقتضي ان يتم بالاتفاق على أن تتوخى الإدارة فيه ابراء ذمتها الصريح من قبل المتعهد تجنباً لأي نزاع مستقبلي.

– يمكن منح سلفات للمتعهدين تجنبا لتأثير ارتفاع سعر الصرف بين تاريخ التعاقد وتاريخ التنفيذ وفق الضوابط القانونية المرعية الاجراء.

– يمكن تخفيف قيمة الكفالات بما لا يؤثر على جدية العرض مع الأخذ بالاعتبار الوضع المصرفي الراهن (الصعب والمتعثر) وتكاليف الكفالات المرهقة أحياناً.