الأطباء لن يذهبوا إلى المستشفيات والفقراء سينامون جياعاً

صدمتان أساسيتان خرجتا الى العلن خلال اليومين الماضيين، نتيجة لتداعيات هذه الفوضى السائدة في محيط محطات البنزين في زحلة، حيث ان شح المادة وعدم سهولة توفيرها للمواطنين، يدفع بهم الى التهافت أمام محطاتها، ويتناتشون الأدوار في صفوفها الامامية، حتى لو إضطرهم ذلك لأن يبيتوا الليالي على الطرقات، بعضهم لأنه فعلاً يحتاج لمادة البنزين، وبعضهم الآخر سعياً وراء ربح سريع لبيع مخزونه في السوق السوداء. والنتيجة أن أطقماً طبية في مدينة زحلة لم تعد قادرة على التوجه الى المستشفيات، ومساعدات غذائية لا تصل الى محتاجيها.

الصدمة الأولى فجّرها الدكتور جلال عبده، وهو الطبيب الذي شاع اسمه تحديداً في معالجة مرضى “كورونا” بمستشفى الياس الهراوي الحكومي. وللمناسبة، فإن قسم “كورونا” بالمستشفى متوقف كلياً حالياً، ليس بسبب إمتناع الدكتور عبده عن الإلتحاق به فقط، إنما ايضاً لكونه يفتقد الى الأدوية والى الممرّضين والممرّضات. والدكتور عبده ليس وحده. وإنما صدر بيان عن مجموعة أطباء في زحلة ونطاقها، يطلب من بلدية زحلة ورؤساء الفروع الأمنية في البقاع، إعطاء الأولوية للأطباء والأطقم الطبية من خلال تخصيص إحدى المحطات للحصول على مادة البنزين بالسعر الرسمي، وذلك من أجل الحؤول دون تفاقم الوضع الطبي المأسوي وتسهيل تأديتهم لواجبهم كاملاً.

وهذه الصدمة الإنسانية ليست يتيمة، بل إنضمت إليها منذ أيام أيضاً صرخة الناشطين في حملة لتوزيع ألفي طبق مجاني أسبوعياً على 300 عائلة من الأكثر فقراً في مدينة زحلة. هذه الحملة أطلقها مغترب زحلي عبر مطعمه فقرا كايترينغ، إعتمدت منذ بداية الأزمة على جهود ناشطات ونشطاء من جمعيات إنسانية مختلفة في مدينة زحلة، يكرّسون وقتهم لإيصال أطباق تكفي أيام الأسبوع مرتين أسبوعياً، بعد ان تصلهم كميات الأطباق بسيارة مبرّدة برعاية بلدية زحلة. منذ بدء أزمة البنزين تمكّن المعنيون في الجمعيات المتضافرة من تأمين الوقود الى المتطوعين من دون ان ينتظروا في الطوابير، خصوصاً انهم يبذلون ما يكفي من الوقت والجهد لإيصال الطعام الى الاحياء. ولكن مع إشتداد الخناق على محطات الوقود في الفترة الاخيرة بدا الأمر مستحيلاً، وقد امتنعت حتى المحطات التي وفرت لهم المادة سابقاً عن تأمينها حالياً. وعليه، توقّف توزيع الطعام منذ اسبوعين، مخلّفاً حالاً من الإرباك ليس فقط بصفوف المتطوعين بالحملة التي لا تزال تتضمن توزيع 20 ألف طبق للأسابيع المقبلة، وإنما أيضاً بصفوف المستفيدين من هذه الاطباق، وبعضهم كما يقول عصام الفحل ممثل إحدى الجمعيات المشاركة في الحملة، لا يستطيعون تناول أدويتهم بسبب عدم تناولهم الطعام.

هذا في وقت لم يحقّق إعلان شركة “توتال” تفريغ حمولتها من المادة أي إنفراج في البقاع، بعدما قرّرت الشركة حرمان محافظة بأسرها من حصتها بحجة تعرض صهاريجها للإعتداءات، الأمر الذي تلقّفه البقاعيون كضربة كف رفضوا تصديقها، وإستمروا بالتجمهر أمام محطات الشركة حتى لو أعلنت خلوها من المادة، متسائلين بأي ناموس يعاقب أهل محافظة كاملة جرّاء بضعة تعدّيات يمكن ضبطها أمنياً؟