الأهداف المناخية تضغط بشدة على صناعة السيارات الأوروبية

تواجه صناعة السيارات الأوروبية، وخاصة التي تنتج المركبات الكهربائية، مأزقا كبيرا كون الأهداف المناخية تضغط على أعمالها بشدة بعدما تراجعت مبيعات الشركات بسبب التكاليف والتنافسية، لاسيما مع الصين.

وطلبت غالبية الشركات رسميا امس الخميس من الاتحاد الأوروبي دعما ماليا طارئا لمواجهة تشديد معايير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العام 2025، باعتبار أنها غير قادرة على الالتزام بها، لاسيما بسبب تراجع مبيعات السيارات الكهربائية.

وقالت رابطة مصنعي السيارات الأوروبية (أي.سي.إي.أي)، التي انسحبت منها ستيلانتيس، في بيان “تدعو المؤسسات الأوروبية إلى اقتراح إجراءات مساعدة عاجلة قبل أن تدخل أهداف الكربون الجديدة للسيارات والشاحنات الصغيرة حيز التنفيذ في 2025”.

وبفضل ازدهار المركبات الكهربائية وتحسين المحركات الحرارية، احترم المصنعون معايير “متوسط الاقتصاد في استهلاك الوقود للشركات” تحت طائلة دفع غرامات عالية، والتي تطلب منهم احترام المتوسط السنوي للانبعاثات لكل سيارة تباع.

لكن التراجع المستمر في مبيعات السيارات الكهربائية منذ نهاية عام 2023 والبالغ 12.6 في المئة من المبيعات في السوق الأوروبية خلال الأشهر الـ12 الماضية مقابل 13.6 في المئة قبل عام، يعقد المعطيات.

وكافحت الشركات بسبب انخفاض الطلب على السيارات الكهربائية بعد سحب الحكومات الحوافز المالية التي جعلت تلك السيارات باهظة الثمن أكثر سهولة.

ومع تقلص حصة السوق إلى 14 في المئة خلال أغسطس، مقارنة بأكثر من 15 في المئة العام الماضي، بدأت الشركات في إعادة التفكير في إستراتيجياتها وجداولها الزمنية للانتقال بعيدا عن محركات الاحتراق الداخلي.

وقال المصنعون “نحن نقوم بدورنا في عملية التحول” من خلال تحويل سيارات إلى الكهرباء لكن “تنقصنا الظروف الأساسية لتحفيز إنتاج واعتماد المركبات الخالية من الانبعاثات”.

وأشاروا إلى محددات تشمل البنى التحتية للشحن ولتوزيع الهيدروجين، وأيضا بيئة إنتاج تنافسية وطاقة خضراء بأسعار معقولة وتحفيز ضريبي ومساعدات للشراء، وإمداد آمن بالمواد الأولية، الهيدروجين والبطاريات.

وحذروا من أن “هذا يثير احتمالا محبطا بفرض غرامات بمليارات اليوروهات والتي يمكن استثمارها بشكل أفضل في التحول إلى الحياد الكربوني، أو تلك المتعلقة بتخفيضات الإنتاج غير الضرورية، وخسارة وظائف وإضعاف سلسلة التوريد والقيمة الأوروبية”.

وأضافت الرابطة التي يرأسها مدير شركة رينو لوكا دو ميو، “نحث المفوضية الأوروبية على تقديم موعد مراجعات لوائح القواعد المتعلقة بثاني أكسيد الكربون للمركبات الخفيفة والثقيلة إلى 2025، وهي مخطط لها حاليا لعامي 2026 و2027 على التوالي”.

ألمانيا شهدت الانخفاض الأبرز في مبيعات السيارات على المستوى الأوروبي، حيث تواجه البلاد سلسلة من التحديات في قلب صناعتها

ونأت ستيلانتيس المصنفة ثانية في أوروبا بنفسها عن منافسيها، ودافعت في حديث لوكالة فرانس برس الأحد الماضي عن دخول المعايير الجديدة حيز التنفيذ.

وقال رئيسها التنفيذي كارلوس تافاريس إن “الجميع يعرف القواعد منذ فترة طويلة، وكان لدى الجميع الوقت للاستعداد، والآن نحن نتسابق”.

وكانت الرابطة اقترحت في مذكرة غير رسمية أوردتها وكالة بلومبيرغ وصحيفة لوموند، غير مؤكدة، لكن لم ينفها أي مصدر، الجمعة الماضي، أن تقوم المفوضية الأوروبية بتفعيل إجراء طارئ نادر ما يستخدم، لتأجيل المعايير المشددة لمدة عامين.

وقدر المصنعون المبلغ المحتمل للغرامات بحوالي 13 مليار يورو بحسب هذه الوثيقة وإلا سيضطرون إلى خفض إنتاجهم من السيارات الحرارية بأكثر من مليوني وحدة “أي ما يعادل أكثر من ثمانية مصانع” مع ما يرتبط بذلك من خسائر وظائف.

وتعوق عدة عوامل إنتاج السيارات الكهربائية، فقد ألغت ألمانيا، أكبر سوق في أوروبا، مكافآت الشراء وبدأت أولى النماذج البسيطة تطرح في السوق للتو، فيما يشعر المشترون بقلق بشأن الاستقلالية المحدودة وشبكات الشحن التي لا تزال غير كافية.

وشهدت ألمانيا الانخفاض الأبرز في مبيعات السيارات على المستوى الأوروبي، حيث تواجه البلاد سلسلة من التحديات في قلب صناعتها.

وقامت فولكسفاغن، أكبر شركة لصناعة السيارات في القارة، بإلغاء اتفاقية عمل دامت لعقود وتستعد لإغلاق مصانعها المحلية في ألمانيا لأول مرة بسبب تراجع الطلب.

كما خفضت شركة بي.أم.دبليو توجيهات أرباحها السنوية جزئيا بسبب تباطؤ مبيعات السيارات الكهربائية. وفي أماكن أخرى، أجلت شركة إنتل كورب بناء مصنع كانت الحكومة الألمانية قد خصصت له إعانات قدرها 10 مليارات يورو.

وكتب كونستانتين غال، رئيس قطاع التنقل في شركة الأبحاث إيرنست يونغ لغرب أوروبا، في مذكرة “اقتصاد ألمانيا لا يكتسب زخما، والمستهلكون وكذلك المستثمرون يتراجعون”. وأضاف “التوترات الجيوسياسية والصراعات العنيفة تؤثر على الثقة”.

وفي جميع أنحاء أوروبا، تراجعت تسجيلات السيارات الجديدة بنسبة 16.5 في المئة بمقارنة سنوية، لتصل إلى أكثر من 755.7 ألف سيارة في أغسطس، مع تراجع أيضا في فرنسا وإيطاليا.

ويضع هذا التقهقر شركات مثل فولكسفاغن ورينو في مواجهة خطر غرامات كبيرة، مع دخول قواعد انبعاثات الأسطول المشددة في الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ العام المقبل.

وكانت السوق الرئيسية الوحيدة التي شهدت ارتفاعا في مبيعات السيارات الكهربائية هي المملكة المتحدة، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 10.8 في المئة.