الإمساك برأس خيط “النفط بالبحر” أثقل مما يظنّه البعض

احترنا في أمرنا، أهناك غاز أو نفط في بحرنا أم لا؟ سؤال يتردد على كل شفة ولسان من بعد المؤتمر الصحافي لوزير الطاقة ريمون غجر، وبيان توتال الشركة القائدة لكونسورتيوم “توتال، ايني ونوفاتيك” النفطي. التعلق بخشبة النفط كخلاص للأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية، و”الهمروجة” الإعلامية الاستباقية التي سوقت منذ سنوات بأن “لبنان دولة نفطية”، كبّرا خيبة الأمل من عدم احتواء أول بئر استكشافية على الغاز بكميات تجارية. فهل هذا يعني توقف عمليات الإستكشاف وقطع الأمل؟

بالتأكيد لا، فالعقد الموقع بين الدولة والكونسورتيوم يقضي بـ التنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9 في المياه الإقليمية اللبنانية. بعدما جرى تقسيم المنطقة التي يفترض أن تحتوي على الغاز والنفط إلى عشرة بلوكات، وقد عرضت السلطات اللبنانية خمسة منها للمزايدة عليها، وجاءها عرض من ائتلاف الشركات الثلاث على الرقعتين المذكورتين، حيث بإمكانها حفر خمس آبار في كل رقعة.

تجربة “ظهر”

هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية العملية فان التجارب الدولية تكشف ان أمتاراً قليلة في عملية التنقيب عن النفط والغاز أو تغييراً في “التكنيك” تقلب كل النتائج. والمثل الأكبر يعطيه خبير اقتصاد النفط وتنمية الموارد البشرية فادي جواد عن حقل ظهر في مصر. إذ بعد 6 أشهر من عمليات التنقيب فقدت شركة توتال الامل بوجود أي ثروة نفطية لتعود وتكتشف شركة “أني” ENY الإيطالية، خلال أيام قليلة من التنقيب أكبر حقل غاز في منطقة “شروق” شرق البحر الأبيض المتوسط. حيث يحوي احتياطي الغاز القابل للاستغلال حوال 30 تريليون قدم مكعب من الغاز.

“المكمن” لا يظهر من أول مرة

معالم النجاح في الآبار الاستكشافية الجديدة عادة ما تكون ضعيفة بسبب النقص في البيانات الجيولوجية والجيوفيزيائية لطبيعة الارض، وما تحتويه. فكل المعلومات في البداية تكون مرتكزة على المسوحات والصور التوبوغرافية. وبالتالي فان أهمية أول بئر محفور، هي بتوفير بيانات واضحة للمراحل المستقبلية.

بالعودة إلى لبنان فان البيانات الاولية من البئر المحفور أكدت وجود الغاز، خصوصاً في الطبقة الصخرية التي تبلغ سماكتها نحو 1000 متر. حيث ستجرى مقارنة العينات المستخرجة من هذه الطبقة مع مثيلاتها في الدول النفطية.

“المكمن الأساسي أو الخزان لا يظهر في المرة الأولى”، يقول جواد “حيث من الممكن ان يكون على بعد 20 متراً أو أكثر من البئر المحفور. أما تحديده بدقة فهو يرتبط بدراسة البيانات وتحليلها ومقارنتها. كما ان عامل الحظ قد يلعب دوراً كبيراً في الحفر مباشرة في المكمن، كما حدث مع شركة ENY في حقل ظهر”.

يشكل البلوك رقم 4 حوال 10 في المئة من البلوكات العشرة المحددة وعليه فان عدم اكتشاف النفط في الرقعة الرابعة لا يعني ان بقية الرقع لا تحتوي على نفط. فهناك 90 في المئة لم تحفر بعد. وبقراءة أولية للبيانات يستنتج جواد ان “البحر يحتوي على كمية تجارية قد لا تقل عن 3 تريليون متر مكعب من الغاز”.

استمرار انخفاض اسعار النفط عالمياً بسبب جائحة كورونا وما فرضته من تعطيل آلاف القطاعات حول العالم، وفشل التوصل الى اتفاق تخفيض الانتاج عوامل تثير المخاوف من تراجع رغبة الشركات النفطية في الاستثمار في القريب العاجل. إلا ان المعطيات الدولية تنقض هذه المخاوف. فمن المتوقع ان تعاود أسعار النفط المتوقع ارتفاعها مع بدء رفع حالة الحظر تدريجياً في العديد من الدول، ودخول اتفاق أوبك بلاس الذي جرى في 13 نيسان برعاية أميركية حيز التنفيذ.

بالاضافة الى هذه العوامل فان الشركات المنقبة (توتال، ايني ونوفاتيك) مرتبطة باتفاقيات مشتركة مع الدولة، كل الذي ممكن ان يحصل بسبب الاوضاع هو تأخير بسيط.

يبقى ان السيناريو الأسوأ الذي ممكن ان يحدث هو امكانية انسحاب هذه الشركات وهو يعتبر حق لها. لكن هذا لا يحدث برأي جواد بسبب “عدم الاستخراج من أول مرة أو حتى بسبب تراجع الاسعار عالمياً. فهذه الشركات لها باع طويل من الخبرة وتجربتها عادة ما تكون مترافقة مع كل أشكال الضغوط والتقلبات والمشاكل الاقتصادية. إنما الذي يؤدي الى انسحابها حتماً فهو انخفاض شهيتها الاستثمارية في لبنان أو نتيجة وجود مخططات في غير مناطق تكون أكثر جدوى أو أماناً أو خلافه”.

الشعبوية في استثمار النفط وتوظيف الملف في السياسة لم يبعداه عن الاحترافية فحسب، بل ساهما في احباط اللبنانيين في الوقت الذي هم فيه بأمس الحاجة الى جرعة أمل ايجابية.

الاخبار السلبية عن البلوك رقم 4 ليست النهاية، انما هي مسك رأس خيط النفط للإنطلاق بجدية نحو المراحل المستقبلية. أما شرط الاستمرار فليس دولياً بقدر ما هو داخلي يتمثل في توفير عناصر الاستثمار الناجحة… وهنا مكمن الخوف الحقيقي.