التخلف عن سداد تكلفة إمدادات الطاقة يراكم الدين الخارجي لتونس

أشعلت وزارة الطاقة والمناجم أجراس الخطر، بإعلانها عدم قدرتها على سداد مزودي الطاقة نظرا لشح موارد الدّولة من العملة الصّعبة، وتعطّل السّياحة، وتوقّف آلة الإنتاج في الفوسفات ونشاط المجمع الكيميائي، وإيقاف الإنتاج من النفط والغاز الذي شكل مسمارا جديدا في نعش موازين الدّولة وراكم ديونا جديدة، فضلا عن ضرب سمعة البلد مع تلويح المزودين بتقديم قضايا للمحاكم الدولية.

وقالت وزارة الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي، في بلاغ وصفته بالهام جدا، إن “الميزان الطّاقي منخرم إلى حدّ كبير، ما تسبب في تضاعف حجم الفاتورات غير المسدّدة لصالح مزوّدي البلاد من الغاز، في الدّاخل أو الخارج، والذين بدؤوا يلوّحون بقطع الإمداد عن تونس، وبملاحقتها في المحاكم الدّوليّة لمطالبتها بسداد ما عليها من التزامات” .

وأوضحت الوزارة أن “موارد الدّولة من العملة الصّعبة شحيحة، بفعل تعطّل السّياحة أحد أهم مصادر العملة الصعبة، وتوقّف آلة إنتاج الفوسفات والمجمع الكيميائي، ما تسبب في توقف الإنتاج من النفط والغاز ليضع عبئا إضافيّا على موازين الدّولة”.

وأثار البيان جدلا واسعا داخل الأوساط الاقتصادية حيث قال خبراء لـ”العرب” إن “هذا التصريح الخطير ينذر بكوابيس اقتصادية خطيرة قد تستفيق بعدها تونس على وقع كارثة حقيقية تنزلق بالبلد إلى إعلان الإفلاس”.

وتتفق هذه المقاربات التي يطرحها خبراء مع تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ (حكومة مستقيلة) بأن تونس على حافة الإفلاس وهو التصريح الذي أعقبته انتقادات واسعة واعتبرته خطيرا وغير مسؤول.

وقال الخبير الاقتصادي نادر حداد لـ”العرب” إن “بعد تصريحي كل من رئيس الحكومة ووزير الطاقة انكشفت بالملموس خطورة الوضع الاقتصادي والمالي في تونس” مشيرا إلى أن “شح السيولة والعملة الصعبة تسبب في التخلف عن سداد مستحقات شركات الطاقة العالمية الخاصة”.

وأضاف “هذه الاختلالات تشترك فيها أسباب عديدة من بينها فاتورة كوفيد – 19 والإغلاق الاقتصادي لأكثر من شهر ونصف الشهر والأعباء الاجتماعية التي تثقل كاهل الدولة إضافة إلى نقص سيولة ما يمنع خروج تونس إلى الأسواق المالية العالمية على اعتبار الوضع السياسي ووجود حكومة مستقيلة”.

وأكد حداد أن “الأصوات التي تنادي بالخصخصة لتقليل الضغوط هي حلول جزئية” لافتا إلى أن “نحو 119 من الشركات العامة التي تمثل عبئا على المالية العامة أغلبها خاسرة وشبه مفلسة ما يقتضي ضرورة اعتماد آلية للتحكيم واختيار الشركات التي يجب التفريط فيها”.

ودعا إلى ضرورة “إعادة بناء رؤية اقتصادية جديدة والقطع مع النظام الريعي وفتح سوق منافسة حرة بين المتعاملين في سوق وإصلاح مختلف مفاصل الاقتصاد”.

وحذر الخبير من أن “نسبة تخلف تونس عن سداد الدين خلال الخمسة أعوام القادمة تساوي 44 في المئة وفق تقديرات بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان وهو مؤشر خطير داعيا صندوق النقد الدولي إلى مساعدة تونس عبر تقديم تمويلات للحفاظ على التوازنات لتجنب التعثر عن سداد فواتير المزودين وقطع الإمدادات”.

وتقدر احتياطات تونس من العملة الأجنبية بنحو 136 يوم توريد بتاريخ 27 يوليو 2020، حسب أحدث بيان للبنك المركزي التونسي، والذي توقع أن يشهد النمو، خلال السنة الحالية، انكماشا حادا بـحوالي 6.5 في المئة مدفوعا بتراجع نشاط جل القطاعات لاسيما الصناعات الموجهة للتصدير وكذلك السياحة والنقل وبدرجة أقل الصناعات غير المعملية.

وكان رئيس الحكومة المستقيل قد صرح أن “جائحة كورونا كلفت اقتصاد البلاد خسارة نحو 5 مليارات دينار (حوالي 1.8 مليار دولار) حتى الآن، فيما يتعين على تونس توفير سيولة بنحو 11 مليار دينار (3.9 مليار دولار).

وأضاف أن “الشركات العمومية على وشك الانهيار والوضع الاقتصادي في حالة ترنح”. وقال إن قطاعات مثل السيارات والطائرات ستشهد تراجعا بين 20 و30 في المئة مع ارتفاع متوقع لنسبة البطالة. وكان الفخفاخ أعلن استقالته منذ منتصف يوليو الماضي بسبب شبهة تضارب مصالح وتحولت حكومته إلى حكومة تصريف أعمال.

وتشهد تونس توقفا في إنتاج النفط والغاز بحقول الجنوب التّونسي، بفعل تواصل اعتصام الكامور (محافظة تطاوين جنوب البلاد)، ما أزم الوضع الاقتصادي الذي يعاني أصلا إشكاليات لا حصر لها.

ويرى خبراء أنه في حال تواصل تعطل الإنتاج فإن البلد يتجه نحو خطر محدق بنفاد إمدادات الغاز عن محطّات الإنتاج الكهربائي التي تعتمد بشكل شبه كلّي على الغاز الطبيعي لتزويد البلاد بالكهرباء، وذلك بالتزامن مع فترة الصّيف التي يصل فيها الاستهلاك إلى مستويات قصوى.

وبلغ عجز ميزان الطاقة لتونس نحو 1.71 مليون طن مكافئ نفط خلال موفى مايو 2020 مقابل عجز بنحو 2.09 مليون طن مكافئ نفط خلال نفس الفترة من 2019، أي بتحسن بنسبة 18 في المئة، حسب نشرية لوضع الطاقة أصدرتها الوزارة في 7 يوليو 2020.

وسجلت نسبة الاستقلالية الطاقية (نسبة تغطية الموارد المتاحة للطلب الجملي)، بدورها تحسنا لتبلغ 49 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2020 مقابل 45 في المئة خلال نفس الفترة من سنة 2019.

من جانبه قال الخبير المالي فهد تريمش لـ”العرب” إنّ “عجز الميزان الطاقي في تونس والذي يمثل ثلث عجز الميزان التجاري ليس ظرفيا أو حديثا بل هو نتيجة أسباب متعددة أهمها حوكمة القطاع والحملات السياسية المرتبطة بالاستكشاف والاستغلال وخاصة شح الموارد والاحتياطات”.

وأضاف أن “الوباء عمق أزمات البلاد الاقتصادية حيث تراجعت مداخيل السياحة إلى نصف مداخيل الموسم السابق في شهر يوليو، وارتفعت البطالة، وانخفضت الصادرات والاستثمارات، وبتواصل هذا الوضع تنفتح البلاد على عدد من السيناريوهات القاتمة منها الانفجار الاجتماعي وتفاقم التداين والدخول تحت طائلة صندوق النقد الدولي”.

وشدد أن أمام الحكومة الجديدة تحديات ضخمة، وهي مطالبة بإجراء إصلاحات موجعة للشركات العامة وإصلاح المنظومة الجبائية ومحاربة التهريب، في ظل تذبذب سياسي سيلقي بظلاله لا محالة على العمل الحكومي”.

واعتبر الخبير فهد تريمش أن “طرح البعض لخيار الخصخصة للشركات العمومية، لن يكون حلا سحريا في ظل تمسك الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية عمالية) بعدم التفويت في مكاسب القطاع العام إضافة إلى مناخ عام يتسم بالتجاذبات والاضطرابات”.

وطلبت وزارة الطاقة تعليق الاحتجاجات الحاليّة في أقرب وقت ممكن، وإعادة نسق الإنتاج إلى مستويات معقولة، حتى تتسلّم الحكومة الجديدة عهدتها، مع انتظار الظروف المعقولة، للنظر في الملفّات العالقة والحارقة وذكرت أن أسطول إنتاج الكهرباء اعتمد بصفة شبه كلية على الغاز الطبيعي بنسبة تناهز 97 في المئة موفى شهر مايو 2020.

العرب اللندنية – سناء عدوني