الشركات الأميركية عالقة في متاهة الانفتاح الصيني وقيود واشنطن

حذرت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو امس الأربعاء، في ختام زيارتها إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من أن مناخ الأعمال في الصين قد يصبح “محفوفا بالمخاطر إلى حد كبير” بالنسبة إلى الشركات الأميركية دون تعديلات للبيئة التنظيمية.

وكثيرا ما اشتكت الشركات الأميركية التي تعمل في السوق الصينية مما تعتبره بيئة عمل غير عادلة، مع حماية محدودة للملكية الفكرية ومعاملة تفضيلية للمنافسين المحليين.

وتفاقمت تلك المخاوف خلال هذا العام مع إجراءات متشددة طالت مؤسسات استشارات أميركية تنشط في الصين، في حرب تكنولوجية مستعرة بين أقوى قوتين اقتصاديتين في العالم.

كما أثار قانون جديد لمكافحة التجسس، بدأ تطبيقه مطلع يوليو الماضي، قلق شركات أجنبية ومحلية تحاول فهم نوايا السلطات وتحديد ما يمكن أن يدخل في إطار التجسس.

لكن الشركات الأميركية تجد نفسها في المقابل أمام قيود من إدارة الرئيس جو بايدن، الذي وقّع أمرا تنفيذيا مطلع هذا الشهر يمنعها من الاستثمار في الرقائق بالسوق الصينية.

ومتحدثة في اليوم الرابع من زيارتها إلى الصين، وبعد جولات محادثات مع مسؤولين وشركات أميركية، قالت ريموندو إنها أثارت “قضايا صعبة مثل الإعانات الحكومية والممارسات غير المراعية لواقع السوق في الصين، كمداهمة شركات أميركية وسرقة الملكية الفكرية”.

وريموندو من بين عدد من كبار المسؤولين الأميركيين الذين زاروا الصين مؤخرا، في إطار مساعي إدارة الرئيس جو بايدين لخفض التوتر الذي بلغ ذروته منذ سنوات على خلفية مسائل أمنية واقتصادية.

وأوضحت خلال مؤتمر صحافي قرب مدينة شنغهاي، العاصمة التكنولوجية في الصين، أن بيئة الأعمال في الصين “يتعين أن تكون قابلة للتنبؤ بها، ويجب أن تكون هناك فرص متكافئة وإجراءات سليمة، وينبغي أن تكون هناك شفافية”.

وأكدت أن قطاع الأعمال الأميركي يحتاج أن تُتخذ بعض الإجراءات لمعالجة هذه القضايا، وإلا فسوف يعتبرونها محفوفة بالمخاطر إلى حد كبير.

ولا تتوقع وزيرة التجارة الأميركية أيّ اختراقات بشأن القضايا التي تؤثر على الشركات الأميركية مثل إنتل وميكرون وبوينغ وفيزا وماستركارد في اجتماعاتها الأولى مع المسؤولين الصينيين، لكنها تأمل في “رؤية بعض النتائج”.

وخلال العام الماضي اتسعت موجة نزوح قطاع الأعمال الأجنبي من الصين وخاصة الشركات الأميركية، التي تقول إنها تواجه قيودا صارمة من السلطات التنظيمية.

وانسحبت موديز في نوفمبر الماضي من السوق الصينية، وهو ما أثر على أكثر من 100 موظف في مكاتب وكالة التصنيف الائتماني الأميركية في بكين وشنغهاي وشنتشن.

وجاءت الخطوة بعد إعلان شركة ألعاب الفيديو الأميركية العملاقة بليزرد إنترتاينمنت أنها ستعلق معظم أنشطتها في الصين بسبب عدم تجديد اتفاقية مع شريكها المحلي في هذه السوق الأكبر عالميا في القطاع.

وأقامت الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا، والقائمة على ألعاب فيديو شهيرة من بينها وورلد أوف واركرافت وأوفرووتش وديابلو، وجوداً لها في الصين منذ عام 2008 من خلال التعاون مع شركة نت إيز العملاقة.

وقبل ذلك قلصت شركة الالكترونيات أبل عملياتها في الصين بسبب مشاكل تتعلق بتوفير الرقائق وبدأت في الاعتماد أكثر على الهند في تصنيع أجهزتها وخاصة آيفون.

وفي يونيو العام الماضي، قال عملاق تجارة التجزئة الرقمية أمازون أنه سيغلق متجر كيندل لبيع الكتب الإلكترونية في الصين هذا العام.

وكانت شركة ياهو قد أعلنت في نوفمبر الماضي اعتزامها الانسحاب من الصين بسبب “الصعوبات المتزايدة في البيئة القانونية وسوق العمل”.

وقبل ذلك بشهر أغلق تطبيق لينكد إن التابع لمايكروسوفت موقعه الصيني، واستبدله بموقع للإعلان عن الوظائف الخالية.

وبوجه هذه الانتقادات التي يدور محورها حول كون الصين أصبحت “غير قابلة للاستثمار” دافع المسؤولون الصينيون عن ممارسات بلدهم التجارية، مما يسلط الضوء على اتجاه المستثمرين العالميين إلى الابتعاد عن الأصول في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقال المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن ليو بينجيو ردا على تعليقات ريموندو إن “معظم الشركات الأميركية البالغ عددها 70 ألف شركة والتي تمارس أعمالا في الصين تريد البقاء”.

وأشار إلى أن ما يقرب من 90 في المئة منها كانت مربحة، وأن الحكومة الصينية والسلطات التنظيمية بالبلاد تعملان لتسهيل وصول الشركات الأجنبية إلى الأسواق.

وأكد بينجيو أن بكين تعمل بنشاط على تعزيز انفتاحها رفيع المستوى وتبذل جهودا لتوفير بيئة أعمال عالمية المستوى وموجهة نحو السوق ويحكمها إطار قانوني سليم والصين لن تفتح أبوابها إلا على نطاق أوسع أمام العالم الخارجي.

وما يلفت الانتباه أن المستثمرين العالميين، الذين أفزعتهم حملات القمع غير المتوقعة على قطاعات من التجارة الإلكترونية إلى التعليم خلال السنوات الأخيرة، بدأوا يتدفقون على الأصول الصينية في الآونة الأخيرة.

ويمثل صافي البيع الأجنبي البالغ نحو 82.9 مليار يوان (11.4 مليار دولار) من الأسهم الصينية هذا الشهر تدفقا خارجيا قياسيا.

في المقابل يرصد المحللون اختفاء استثمارات الشركات الأجنبية، حيث وصل الاستثمار الخارجي المباشر إلى أدنى مستوياته منذ بدء تسجيله قبل ربع قرن.

وقال مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأميركية في الصين، إن الشركات كانت “واضحة للغاية” في التعبير عن مخاوفها للحكومة الصينية.

وأضاف في تصريحات لوكالة فرانس برس “كنا واضحين جدا في اجتماعاتنا مع الحكومة الصينية في أنه بينما تزدهر بعض الشركات الأميركية، فإن بعض الإجراءات، بما في ذلك مداهمات الشركات وتقييد البيانات، لا تساعد على جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي”.

وردد ينس إسكيلوند رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين هذا الشعور، حيث قال إن “غير القابل للاستثمار ليس مصطلحًا يمكن أن نستخدمه لوصف الصين”، وبدلا من ذلك وصفها بأنها “غير مستثمرة”.

وسعت ريموندو من خلال الزيارة لمزيد من المحادثات الصريحة مع الصينيين فيما يتعلق بالقيود التجارية، واتفق الجانبان على إنشاء مجموعة عمل لحل القضايا الخلافية بينهما.

وشددت الوزيرة أكثر من مرة على أن القيود الأميركية على الشركات الصينية، التي تقول واشنطن إنها تهدف إلى حماية أمنها القومي، لا ينبغي أن تؤثر على العلاقة الاقتصادية الأوسع. وقالت “نسعى للمحافظة على علاقتنا التجارية البالغة قيمتها 700 مليار دولار”.

لكن المسؤولين الصينيين أبدوا تحفظا. وقال رئيس الوزراء لي تشاينغ لريموندو الثلاثاء الماضي إن الإجراءات الأميركية لـ”تسييس” القضايا التجارية ستكون “كارثية” على الاقتصاد العالمي.

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن لي قوله للوزيرة الأميركية إنّ “تسييس مسائل اقتصادية وتجارية وتوسيع نطاق مفهوم الأمن بشكل كبير.. يؤثر بشكل خطير على العلاقات الثنائية والثقة المتبادلة”.