القاهرة تضع ركائز صناعة القاطرات لتعزيز صادراتها للدول العربية وأفريقيا

أسست مصر أكبر مشروع في منطقة الشرق الأوسط لتصنيع قاطرات وعربات السكك الحديدية لتعزيز صادراتها لأسواق المنطقة العربية والدفع بها للعمق الأفريقي، في ظل خطط التنمية التي تستهدفها الدول، وتحتاج لمد شرايين السكك الحديدية للربط بين عواصمها والمدن والمشروعات التنموية الجديدة.

دشنت القاهرة أولى لبنات مشروعها الطموح لتوطين صناعة السكك الحديدية، بما يعزز قدراتها استهداف أسواق المنطقة العربية والعمق الأفريقي، حيث يتنامى الطلب على السكك الحديدية لمواكبة خطط التطوير وبناء المدن في المنطقة.

واستقر قرار الحكومة المصرية على اختيار المنطقة الصناعية في شرق بورسعيد الواقعة على البحر المتوسط لتدشين أكبر مجمع صناعي لتصنيع الوحدات المتحركة للسكك الحديدية في منطقة الشرق الأوسط.

ويتوقع أن تصل طاقة إنتاج هذا المصنع الضخم إلى 300 عربة سنويا، ما يعني أن البلاد ستكون في غضون سنوات ضمن دائرة اهتمام الموردين الأجانب وربما يتوسع المشروع مستقبلا.

ويساعد موقع المُجمّع عمليات التصنيع من أجل إعادة التصدير سواء للمنطقة العربية عبر المرور بقناة السويس، أو استخدام وسائل النقل النهري للتصدير للعمق الأفريقي، فضلا عن فرص التصدير للسوق الأوروبية.

وبحسب المسؤولين، فإن التكلفة الاستثمارية التقديرية لمشروع صناعة عربات ومستلزمات السكك الحديدية تبلغ حوالي 3.82 مليار جنيه (240 مليون دولار).

وسيتم تشييد المجمع الصناعي على مرحلتين، الأولى تستهدف تصنيع الوحدات المتحركة للقطارات، أما الثانية فتستهدف مصانع للصناعات المغذية للقطاع، وتصل مساحة المشروع لنحو 300 ألف متر مربع.

وتعد السكك الحديدية من أسرع وسائل الربط بين المدن الجديدة التي تشيدها بلدان المنطقة العربية، والتي تقع معظمها في قلب الصحراء أو على تخوم حدودها مع دول المنطقة، مثل مشروع نيوم السعودي الذي يربط الحدود مع مصر والأردن، الأمر الذي يعزز من فورة الحاجة للسكك الحديدة محليا وإقليميا.

ووافق مجلس إدارة الهيئة العامة الاقتصادية لمحور قناة السويس والتي يقع في نطاقها المشروع على دخولها ضمن المساهمين المؤسسين للشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية والمتخصصة في صناعة الوحدات المتحركة للسكك الحديدية ومستلزماتها، وتشمل القطارات السريعة والخط الأحادي والمترو.

ويساهم مع الهيئة في المشروع صندوق مصر السيادي ومجموعة من الشركات الخاصة العاملة في مجال الاستثمار المباشر وصناعة النقل.

وقال يحيى زكي رئيس الهيئة الاقتصادية في تصريحات خاصة لـ”العرب”، إن “المشروع يعد أهم الاستثمارات بالمنطقة خلال السنوات الخمس المقبلة، لأنه يعزز من توطين تكنولوجيا صناعة السكك الحديدية وتلبية احتياجات قطاع النقل محليا وإقليميا”.

وتعتبر السكك الحديدية المصرية ثاني أقدم مرفق في العالم من حيث البنية التحتية للمواصلات، وقد دشنت في العام 1834، ويصل إجمالي طول شبكتها نحو 9570 كيلومترا.

وتشكل شبكة السكك الحديدية العمود الفقري للنقل في البلاد، حيث تشير التقديرات إلى أنها تنقل حوالي نصف مليار راكب سنويا، بمعدل يومي يصل لنحو 1.4 مليون راكب، إلى جانب نقل نحو 6 ملايين طن سنويا من البضائع.

وأكد إبراهيم مبروك، أستاذ هندسة النقل والسكك الحديد لـ”العرب”، أن المشروع الجديد يعزز إنتاج القاطرات وقطع الغيار، استنادا إلى النماذج الدولية من أجل الإحلال والتجديد للعربات المتهالكة.

وعانى مرفق السكك الحديدية بمصر الإهمال على مدار عقود متتالية، وبات مصدرا للكوارث والحوادث قبل أن تنطلق خطط تطويره فعليا منذ أربع سنوات.

ومن المتوقع أن تفضي فورة الإنتاج المرتقبة في المصنع الجديد إلى تحسين جودة الخدمة محليا، بما تحققه من عمليات إحلال للسكك الحديدية ومستلزماتها محل عمليات الاستيراد من الخارج، بجانب فرص التصدير المرتقبة لمنتجات المصنع الجديد لدول المنطقة.

وقال مبروك إن “مصر تعاني من نقص شديد في قطع غيار القطارات، وبالتالي فإن عمليات تصنيعها محليا لن توفر على مصر فاتورة الاستيراد فقط، بل تحل أزمة طوابير الانتظار الطويلة لاستيراد مستلزمات السكك الحديدية، في ظل عدم قدرة شركات الإنتاج العالمية مواكبة الطلب العالمي عليها”.

وتعزز المنظومة الجديدة زيادة حركة النقل وتقليل زمن تقاطر القطارات على السكك الحديدية، وزيادة الإيرادات وتراجع معدلات الاستهلاك.

وفضلا عن ذلك، فإن انتظام مواعيدها سوف يزيد إقبال الأفراد والمسافرين عليها بدلا من السيارات الخاصة، التي ترفع الكثافات المرورية ومعدلات التلوث.

ويمكن أيضا تطويع تجارب العديد من الدول الناجحة في هذا المضمار في إدارة مرفق السكك الحديدية والاستفادة منها في عمليات الإنتاج، وتحديدا النموذج الإنجليزي والفرنسي والياباني.

وأوضح حمدي برغوثي، خبير النقل الدولي، أن منظومة النقل الداخلي في مصر تعاني كثيرا منذ سنوات، وهي تتنوع بين النقل البري على الطرق والسكك الحديدية ونهر النيل.

وأشار إلى أن حجم النقل الداخلي بين الموانئ والمناطق الصناعية بالبلاد يصل إلى نحو 500 مليون طن، وحوالي 250 مليون طن بين المدن والأسواق المختلفة.

ولفت إلى أن إجمالي حركة البضائع يصل لنحو 750 مليون طن سنويا، لكن لا تتعدى نسبة البضائع المنقولة عبر السكك الحديدية منها 2.5 مليون طن، ونفس الحجم للنقل النهري، ما يعني أن أقل من واحد في المئة يتم نقله بهما، وهي نسبة ضعيفة للغاية.

وتسهم الشركة الجديدة في تعزيز عمليات الربط بين سيناء والقاهرة بشكل قوي وسريع للغاية، مع إعادة إنشاء النفق الخاص بالسكك الحديدية أسفل قناة السويس، والذي يصل إلى سيناء، ومن ثم ربطها بحركة قطارات سريعة، وموانئ المنطقة الشمالية الشرقية في سيناء وبورسعيد والعين السخنة بشبكة سكك حديدية قوية.

ويسهم إنشاء خطوط حديدية بتلك الموانئ في انسياب حركة نقل الحاويات من ميناء غرب بورسعيد إلى المنطقة الشمالية، إلى جانب ربط منطقة محور قناة السويس لوجستيا بشبكة السكك الحديدية.

وتشير الدراسات إلى أن نقل 100 حاوية يوميا من ميناء غرب بورسعيد إلى القاهرة عبر القطار يوفر نحو 200 رحلة بالسيارة ذهابا وإيابا، على طريق الإسماعيلية – بورسعيد – القاهرة، لذلك تعد السكك الحديدية من أهم شرايين الاقتصاد.

ويجذب الاستثمار في هذا القطاع الكثير من المستثمرين، الأمر الذي دفع الملياردير المصري نجيب ساويرس في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك إلى التقدم للحكومة لشراء حق انتفاع بعض خطوط السكك الحديدية، في بادرة لخصخصة هذا القطاع.

وطلب ساويرس في البداية شراء خطوط قطارات النوم من القاهرة إلى أسوان في جنوب البلاد، كنموذج مبدئي، ثم الاتجاه بعد ذلك لباقي الخطوط وتعميم التجربة.

ورفضت الحكومة طلبه لأسباب لم يتم الإفصاح عنها، بعدها دخلت عائلة ساويرس في مجال نقل الركاب بريا من خلال تأسيس شركة جو باص للنقل البري.

ورغم خطط التطوير التي تستهدف مرفق السكك الحديدية وضخامة هيئتها الاقتصادية، إلا أن ديونها لبنك الاستثمار القومي تصل لنحو 1.5 مليار دولار، نتيجة تقادم معظم الخطوط والقطارات.

ويقول خبراء إن تلك العوامل تجعل من القطاع فرصة استثمارية قوية في ظل حاجة المرفق بالكامل لعمليات إحلال وتجديد.

المصدر: العرب اللندنية