الموازنة تقترح صلاحيات تشريعية استثنائية لوزير المال: الدولار الضريبي بيد سلامة

في مشروع موازنة 2022، تقدّم وزير المال يوسف خليل خطوات في اتجاه الاستيلاء على صلاحيات تشريعية استثنائية، للحكومة أو لنفسه كوزير للمالية، لمعالجة قضايا ضريبية ونقدية ومصرفية تعود فيها الصلاحية لمجلس النواب بشكل أساسي، أو يفترض البتّ فيها في إطار خطّة الحكومة لتحديد وتوزيع الخسائر وإعادة هيكلة المصارف. وإذا مرّت البنود التي يقترحها خليل في مشروع الموازنة، سيصبح لدينا تداخل في السياسات النقدية والمالية والضريبية، إضافة إلى دمج الصلاحيات التشريعية بالتنفيذية والقضائية. تعديلات جذرية من هذا النوع لا يمكن تضمينها في مشروع الموازنة، ولا يمكن حصرها بيد الجهات نفسها التي تعدّ مسؤولة عن الانهيار.

من أبرز النماذج التي تدلّ على محاولة الاستيلاء هذه، ثلاث مواد وردت في مشروع موازنة 2022 هي: 109 و132 و133. الأولى، تمنح الوزير صلاحيات استثنائية لتعديل قانون ضريبة الدخل وتحديد الشطور. والثانية، تمنح الوزير حقّ فرض أسس للتعاطي مع الودائع الجديدة بالدولار في القطاع المصرفي وكيفية تسديدها من دون أي إشارة إلى الودائع القديمة التي هي محور نزاعات قضائية بالآلاف. والثالثة، تمنح الوزير حقّ تسعير سعر صرف الليرة مقابل الدولار من خلال ما سُمي «الدولار الضريبي».

تشير المادة 109 إلى أنه «خلافاً لأي نصّ آخر، وبصورة استثنائية، يمنح وزير المالية بالنسبة للضرائب والرسوم التي تحققها وتحصلها وزارة المالية ووزير المالية والوزير المختص بالنسبة لسائر الرسوم الأخرى، لمدّة سنتين من تاريخ نفاذ هذا القانون، حقّ تعديل التنزيلات والشطور والنسب المتعلقة بتلك الضرائب والرسوم بموجب قرارات تصدر عنهم استناداً إلى مقتضيات الوضع الاقتصادي ونسبة التضخّم». وبرّرت الأسباب الموجبة هذا التعديل، مرتبط بالحاجة إلى المرونة والسرعة في معالجة انعكاسات التضخّم وعدم الاستقرار، بما يؤمن حقوق الخزينة والمكلفين.

فالمادة 132 جاءت بعنوان «تسديد المصارف للودائع الجديدة بالعملة الأجنبية التي تودع لديها اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون بالطريقة عينها، ورفع قيمة الضمانة عليها». وبموجب هذه المادة تُلزم المصارف بتسديد الودائع الجديدة بالعملة الأجنبية التي يتم إيداعها نقداً لديها أو من خلال التحويلات الخارجية اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون بالطريقة عينها التي أودعت لديها بناء على طلب صاحب العلاقة»، على أن ترفع قيمة الضمانة على الوديعة إلى 50 ألف دولار، وأن يحدّد دقائق تطبيق هذه المادة بقرار من حاكم مصرف لبنان.

في السياق نفسه، تشير المادة 133 إلى أنه «يمكن للحكومة أو لوزير المال بتفويض من الحكومة أن يحدّد سعر تحويل للعملات الأجنبية لغاية فرض واستيفاء الضرائب والرسوم، وأن تحدّد آلية التطبيق بقرار يصدر عن وزير المال». وجاء في الأسباب الموجبة، أن سبب فرض هذه المادة في الموازنة، يعود إلى التضخّم الذي يعاني منه الاقتصاد وتدهور قيمة العملة اللبنانية. فمن غير الجائز الاستمرار في استيفاء الضرائب والرسوم على الإيرادات والأرباح التي تتحقق بعملة أجنبية وعلى قيم المشتريات المستوردة المحدّدة بالعملة الأجنبية على أساس سعر صرف لليرة يبلغ 1508 ليرات مقابل الدولار، فيما الخزينة تحتاج إلى واردات لمواجهة العجز فيها…

عملياً، ما الذي سيحصل بموجب هذه المادة؟ سيكون حقّ تسعير الدولار الجمركي بيد الحكومة أو وزير المال، وسيكون له الحقّ أيضاً بتسعير كل الضرائب والرسوم وفق سعر الصرف الذي يراه مناسباً، ولا شكّ ستكون لديه القدرة على زيادة وخفض الضرائب بموجب المادة 109… بالتحديد سيكون لدى وزير المال القدرة على تحديد سعر صرف الليرة مقابل الدولار. هذا يعني أن تحديد سعر الصرف يتم بقانون لم يصدر بعد، وهو الأمر الذي يسعى وزير المال وحاكم مصرف لبنان بوصفه رئيساً لوزير المال يوم كان مديراً للعمليات المالية في مصرف لبنان، الاستيلاء عليه.