بانتظار الفيول الجزائري والعراقي: ميقاتي ينظِّف غبار بيت مدّمر!

تأخَّرَت شحنات الفيول العراقي ونفد خزين المجموعة الأخيرة في معمل إنتاج الكهرباء في الزهراني، فدخلَ لبنان في عتمة شاملة طالت المرافق العامة بعد أن كانت تُعطى الأولوية في ضمان تأمين الكهرباء لها في حالات نقص الفيول.

العتمة الشاملة استدعت تحريك الجمود الذي أصاب شحنات الفيول العراقي، وسرّعَت الموافقة على شراء شحنة غاز أويل عبر السبوت كارغو Spot Cargo وكذلك أدّت إلى نقل 5000 ليتر من المازوت من خزين منشآت النفط في الزهراني إلى معمل الكهرباء هناك. وأيضاً، أبدت الجزائر رغبة بتقديم هبة من الغاز أويل، بناءً على قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وتلقّى وزير الطاقة وليد فيّاض اتصالاً من نظيره الجزائري محمد عرقاب أكّد خلالها رغبة بلاده، على أن تُحَدَّد كميات الهبة في محادثات لاحقة. فتحرَّكَ الجمود لكن لم تختفِ العتمة.

بين الجزائر والعراق

المبادرة الجزائرية لا تزال في مصاف النوايا. إذ تبلَّغَ فيَّاض ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي رغبة المسؤولين الجزائريين بمساعدة لبنان والمساهمة في تبديد العتمة، لكن لم تُحَدَّد بعد الكميات المطلوبة وموعد شحنها إلى لبنان. وإلى جانب المبادرة، أكّد الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، في حديث صحافي، أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبلغَ رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي أن العراق لن يوقف شحنات الوقود، بل هو مستعد لزيادة الكميات مستقبلاً.

وبين الجزائر والعراق، يضمن لبنان بالحدّ الأدنى تزويد المرافق العامة بالكهرباء، على أمل أن تساهم شحنة السبوت كارغو بـ”زيادة حجم إنتاج الكهرباء ليضمن وصول التغذية إلى المواطنين”، وفق ما يقوله فيّاض الذي يشير في حديث لـ”المدن” إلى أن “الشحنة الآتية من مصر، بحجم 30 ألف طن، إلى جانب 100 ألف طن من الفيول العراقي باتت على سكّة التحميل في العراق بين 20 و25 آب، وستتّجه نحو تبديلها بحوالى 60 ألف طن من الغاز أويل. ومن المفترض أن تحلّ هذه الكميات الأزمة الحالية”.

لكن التفاؤل الذي يبديه فيّاض يجد ما يُخفِّض معدّلاته ربطاً بواقع قطاع الكهرباء، إن لجهة ضعف الإنتاج والجباية واستمرار الهدر، أو على مستوى الفساد في مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة. فخلاصة هذا الواقع، هي هدر كميات تصل إلى نحو 40 بالمئة من الكهرباء التي ستُنتَج بغضَ النظر عن مصدرها، أكانت من المعامل المائية أو الغاز أويل العراقي أو الجزائري أو المشترى من مصر. كما أن تحصيل كهرباء لبنان لقيمة الكهرباء المُنتَجة من تلك المصادر، غير مضمون. وبالتالي، فإن المؤسسة تبيع خدمة لن تستردّ كلفتها لتشتري بها المزيد من الغاز أويل، فنسبة الجباية لا تتعدّى الـ40 بالمئة، أي أن المؤسسة تخسر نحو 60 بالمئة من الأموال المفترض تحقيقها. ناهيك بأن الهبة الجزائرية ليست مستدامة، ولبنان ليس قادراً على تأمين كلفة التعاقد مع الجزائر رسمياً لتوريد الفيول، خصوصاً وأن أزمة شركة سوناتراك مع وزارة الطاقة اللبنانية لا تزال حاضرة في أذهان الجزائريين. أما عملية توريد شحنات الفيول من العراق، فجاهزة للتوقُّف مع عدم حسم لبنان مسألة تأمينه التمويل الذي ينتظر العراق رؤيته في حسابه في مصرف لبنان، لتمويل الخدمات كما تنصّ الاتفاقية بين الطرفين.

إجراء تحقيق وسط الخراب

الانقطاع التام للكهرباء دفعَ ميقاتي، يوم الإثنين 19 آب، لإرسال كتاب إلى رئيس هيئة التفتيش المركزي جورج عطية، طلب عبره “إجراء تحقيق فوري بموضوع الانقطاع الكلّي للتيار الكهربائي”. واستندَ ميقاتي في كتابه إلى إبلاغه من قِبَل مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك عن “وجود نقص في مادة الفيول التي تشغّل معامل الكهرباء بسبب تأخّر وصول مادة الغاز أويل العراقي لأسباب لوجستية”. وعرضَ ميقاتي في مضمون كتابه سلسلة اجتماعات عقدها مع حايك وفيَّاض لـ”بحث موضوع نقص الفيول وكيفية تأمين حاجة المؤسسة من المحروقات في ظل التأخّر الحاصل في تعبئة سفن الشحن في المرافىء العراقية”.

الدعوى للتحقيق اليوم هي عبارة عن وقوفٍ وسط خراب منزل ينهار والبحث عن طريقة لتنظيف الغبار. إذ أن ما وصلنا إليه ليس وليد لحظة معيّنة. فما يتم بحثه يدور حول تأخير شحن الفيول من العراق وتبديله بغاز أويل والإتيان به إلى لبنان لإنتاج طاقة تصل إلى المواطنين بمقدار ساعتيّ كهرباء يومياً بأحسن الأحوال. ولأن المصدر الوحيد لإنتاج الطاقة في الوقت الراهن هو الفيول العراقي، فإن مرجعية التحقيق ستكون الاتفاقية بين لبنان والعراق، وسيخلص التحقيق في حال حصوله، إلى عدم التزام لبنان بتأمين تمويل الخدمات المفترض بالعراق الحصول عليها في مختلف المجالات الزراعية والصحية والخدماتية وغيرها. في حين أن التحقيق مطلوب بشكل أعمق في الأسباب التي أوصلتنا إلى إنتاج ساعتين إلى أربع ساعات كحدٍّ أقصى، فضلاً عن الغوص عميقاً في الوضع المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، وتبيان أين تذهب أموال الجباية وأسباب عدم القدرة على الفوترة بالوتيرة المطلوبة. ومع النقص الحاد في التمويل، يستمر تأمين الدولارات لشركات مقدّمي الخدمات رغم تراجع أدائها. فهل سيُفتَح التحقيق في هذه المجالات؟

أقصى ما باتت تطمح إليه السلطة السياسية هو تأمين الفيول لتشغيل المرافق العامة، وفي ما عدا ذلك، لا تعتبره الدولة أزمة حقيقية. أما توليد ساعتين إلى 4 ساعات كهرباء للمواطنين، فهو “مكرمة” يجب التهليل لها. في حين أن العودة إلى ما قبل العام 2019 حلم غير قابل للتحقيق.