بعد الانهيار كما قبله

سُجّل في عام 2022 تحول واضح في الاقتصاد نحو «الكاش دولار». كل التجّار باتوا يسعّرون بالدولار الفعلي أو أعلى منه قليلاً. وهذا الأمر يعكس مدى القعر الذي بلغه الانهيار بموازاة وقائع لا يمكن تجاوزها مثل نفوذ الاحتكارات التجارية. فهذا النفوذ قادر على إحداث تحوّل كهذا للاستفادة من النشاط الاقتصادي الهشّ. بهذا المعنى، قرّر التجّار استعمال نظام «الكاش دولار» في عناصر الكلفة: رأس المال أصبح بالدولار النقدي، كلفة التشغيل (شحن، نقل، تفريغ، تخزين، كهرباء، أجور،…) صارت أيضاً بالدولار النقدي، والأرباح حتماً بالدولار النقدي. ورغم حديّة ما ينتج من هذا التحوّل في ارتفاع الأسعار بشكل مستمرّ، إلا أن الكثير من التبريرات بدأت تساق دفاعاً عن الاحتكارات التجارية، وخلاصتها أن التاجر لا يتحمّل عبء الدولار الجمركي، بل المستهلك. النقاش يدور هنا حول النسبة التي يجب أن يتحمّلها المستهلك: هل هي 6% أو 10% أو 15% ….

هناك قلّة فقط تميّز مسألة الدولرة النقدية للأكلاف الإجمالية. فإذا كان التاجر يسعّر أرباحه بالدولار النقدي، فلمَ على المستهلك أن يدفع ثمن تعديل الرسم الجمركي؟ أما إذا قيست الأسعار الرائجة اليوم مع مثيلاتها في 2018، وبعد إلغاء أثر سعر الصرف والتضخّم، سيتبيّن أنها تكاد تكون متوازية مع فرق واحد وهو أن الأسر ما زالت تدفع أعباء باهظة للحصول على السلعة نفسها إنما باتت الكلفة توازي نسبة أكبر من مداخيلها. ولا يمكن اختصار المسألة بذلك، إذ ليس هناك رادع قانوني وفعلي. ففي السنوات الماضية، جرى تدمير وتعطيل القوانين التي كانت سائدة لحماية المستهلكين، فيما لم تعالج القوانين الجديدة مشكلات المستهلك بمقدار ما ذهبت لتكريس مفاهيم «تحرير الأسعار» و«التنافس الحرّ» التي تحمي التجّار حصراً. عملياً، هناك أكثر من مشكلة في ما يحصل. الأمر لا يتعلق فقط بحسابات التجار الخاصة بالأرباح وحجم السوق، بل في كون غياب السياسات التي تربط الاستهلاك بالإنتاج من جهة وبالحاجات الحقيقية للناس من جهة ثانية، ستعود أخيرا لترتبط بقدرة الناس على الدفع. والقدرة متصلة أولاً وأخيراً بالدخل، حيث لا تزال المداخيل المباشرة من الرواتب أو غير المباشرة من الدعم غير المرئي، دون القدرة على ملاقاة الأسعار الجديدة، حيث الاقتصاد يتقلص يوماً بعد يوم