بنك يغلق وآخر يتأرجح… هل الولايات المتحدة أمام أزمة مصرفية وشيكة؟

أعلنت مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية الأميركية تولي السيطرة على ودائع «سيليكون فالي بنك»، مع إغلاق أعمال البنك الذي يركز على التكنولوجيا. ​وقررت إدارة الحماية المالية والابتكار في كاليفورنيا إغلاق البنك الذي يحمل اختصارَ اسم «إس في بي فاينانشال»، مع توليها مسؤولية الأعمال. وأوضحت مؤسسة التأمين على الودائع إنشاء بنك ساتا كلارا الوطني للتأمين على الودائع، والذي يحتفظ الآن بالودائع المؤمنة من «إس في بي». وأشارت المؤسسة إلى أن المودعين سيكون لهم حق الوصول إلى ودائعهم في موعد لا يتجاوز صباح يوم الإثنين، كما ستتم إعادة فتح مكاتب البنك في نفس الوقت تحت سيطرة السلطات التنظيمية. وكان «إس في بي» قد تعرض لانهيار سريع، بعد إعلانه السعي لزيادة رأس المال عقب خسارة تجاوزت 1.8 مليار دولار. وتعرض السهم لهبوط بنسبة 60% أمس الخميس، قبل أن يهبط بنفس النسبة في تعاملات ما قبل الفتح، ليتم تعليق التداول على السهم لاحقاً.

أدّى الإغلاق المفاجئ لشركة “سيلفرغيت كابيتال كورب”، وتسارع “بنك سيلكون فالي” (إس في بي) لجمع الأموال، إلى تراجع أسهم البنوك الأميركية. وأثار ذلك تساؤلاً في أروقة الصناعة وهو: هل يمكن أن تكون هذه بداية لمشكلة أكبر بكثير؟

المشكلة في كلا المقرضيّن اللذين كانا في السابق من أكثر المصارف نجاحاً في كاليفورنيا، كانت في أعمالهما المتقلّبة التي كانت تعتمد على المودعين الذين يجنون الأموال بسرعة. لكن كان هناك صدع أدنى لتلك المشكلة يمتدّ إلى جميع القطاعات المالية، إذ ترك ارتفاع أسعار الفائدة البنوك مثقلة بالسندات المنخفضة الفائدة التي لا يمكن بيعها على عجل بدون خسائر. لذلك إذا قام عدد كبير جداً من العملاء بطلب ودائعهم في وقت واحد، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث حلقة مفرغة من الأزمات. يتساءل عالم الاستثمار، عن البنك التالي. قال جينس نوردفيج، مؤسس تحليلات السوق وشركات استخبارات البيانات “إكسانتا داتا أند ماركت ريدر” (Exante Data and Market Reader): “أتلقى الكثير من الأسئلة حول هذا الأمر من عملائي”. وسط عمليات سحب الودائع من “بنك سيلكون فالي”، حثّ الرئيس التنفيذي العملاء على “التزام الهدوء”. قد لا تكون هناك مخاطر مباشرة تواجه العديد من البنوك، وفق المحللين، لكن الأزمة قد تظل مؤلمة. فبدلاً من مواجهة موجة كبيرة من استقبال الودائع، ستضطر البنوك إلى التنافس بقوة أكبر لتقديم معدلات فائدة أعلى للمدّخرين. وهذا من شأنه أن يقوّض ما تكسبه البنوك من عمليات الإقراض، ويقلّل من الأرباح. البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي عادة ما يكون التمويل لديها أقل تنوعاً، قد تتعرّض لضغط أكبر، ما يجبرها على جمع سيولة عبر بيع المزيد من الأسهم الأمر الذي يخفّض حصص المستثمرين الحاليين.

غيض من فيض

“بنك سيلكون فالي هو مجرّد غيض من فيض”، وفق كريستوفر والين، رئيس مجلس إدارة شركة الاستشارات المالية “والين غلوبال أدفيزورز” (Whalen Global Advisors).

وقال: “أنا لست قلقاً بشأن اللاعبين الكبار، لكن الكثير من الصغار سيتعرّضون لركلات رهيبة”. “سيضطر العديد منهم إلى رفع رأس المال”. تراجعت البنوك بمؤشر “إس أند بي 500” الذي يتتبّع الشركات الأميركية الكبرى الخميس الماضي، ما أدى إلى انخفاض المؤشر بنسبة 4.1% وهو أسوأ أداء يومي للمؤشر منذ منتصف 2020. وهوى سهم “بنك سيليكون فالي” ومقرّه سانتا كلارا بنسبة 60%، بينما انخفض سهم “فيرست ريبابلك بنك” (First Republic Bank) ومقرّه سان فرانسيسكو بنسبة 17%.

انخفض مؤشر إس أند بي الآخر الذي يتتبّع الشركات المتوسطة الحجم بنسبة 4.7%. وكان أسوأ أداء به “باك ويست بانكورب” (PacWest Bancorp) ومقره بيفرلي هيلز، بعد انخفاضه 25%. من المفارقات أن العديد من مستثمري الأسهم اتجهوا نحو أسهم البنوك لتفادي تأثير ارتفاع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي على الاقتصاد، وراهنوا على أنها ستمهّد الطريق للمقرضين لكسب المزيد. بالنسبة لهم، كان هذا الأسبوع بمثابة صدمة. بينما كانت التكلفة المتزايدة للودائع معروفة من قبل والضغوط الناتجة عنها كانت ملموسة، إلا أن السوق فجأة تيقّنت لهذا الأمر بعد اتجاه “بنك سيلكون فالي” لزيادة رأسماله، بحسب كريس ماريناك، المحلل في “جاني مونتغمري سكوت”.

أعلن “بنك سيلكون فالي” عن طرح أسهم (إضافية)، بعد أن قام عملاؤه، المدعومون من شركات رأس المال الجريء، بسحب الودائع. قام المُقرض ببيع جميع الأوراق المالية المتاحة للبيع في محفظته إلى حدٍّ كبير، وقام بتحديث التوقّعات لأدائه السنوي والتي شملت انخفاضاً حاداً في صافي دخل الفائدة. بعد ساعات من حثّ الرئيس التنفيذي غريغ بيكر العملاء على “التزام الهدوء” في مؤتمر عبر الهاتف ، ظهرت أنباء مفادها أن عدداً من شركات رأس المال الجريء البارزة، ومنها “بيتير ثيلز فواندرز فند” (Peter Thiel’s Founders Fund)، كانت تنصح شركات المحافظ بسحب الأموال كإجراء وقائي. في “سيلفرغيت”، كانت المشكلة عبارة عن تهافت على الودائع التي بدأت العام الماضي، عندما قام العملاء من شركات العملات المشفّرة، بسحب الأموال لمواجهة انهيار بورصة العملات الرقمية “إف تي إكس” (FTX). بعد الخسائر من بيع سريع للأوراق المالية، أعلنت الشركة يوم الأربعاء الماضي عن خططها لإنهاء العمليات والتصفية. تعرضت أسهم البنوك الأميركية لضغوط هذا الأسبوع بعد أن حذّرت “كاي كورب” (KeyCorp) من الضغوط المتزايدة لجذب المدخرين من خلال زيادة المكافآت لهم. خفّض المصرف الإقليمي توقّعاته بشأن نمو صافي دخل الفائدة في السنة المالية الحالية إلى ما بين 1% و4% ، من توقعات سابقة تراوحت بين 6% و9%، بسبب “بيئة التسعير التنافسي”. وانخفض سهم الشركة بنسبة 7% يوم الخميس الماضي.

أكثر عزلة

يتحدّث المنظّمون بصراحة عن قضاء وقت أقل في مراقبة الميزانيات العمومية للبنوك الصغيرة، ما يمنحهم مجالاً للابتكار والانغماس في منصات التكنولوجيا المالية أو العملات المشفّرة. بدلاً من ذلك، كرّست السلطات الكثير من وقتها واهتمامها منذ الأزمة المالية في 2008 في ضمان استقرار البنوك الكبيرة “ذات الأهمية النظامية” مثل “جيه بي مورغان تشيس”، و”بنك أوف أميركا”. أجبر المنظمون أكبر المقرضين على الاحتفاظ بمبالغ أكبر من رأس المال، حتى يكون وضعهم فوق مستوى الشبهات في أوقات كهذه. على النقيض من ذلك، جرى التعامل مع أصغر المقرضين “بنهج متساهل للغاية”، وفق مايكل بار، نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي للإشراف، خلال خطاب ألقاه يوم الخميس.

وقال: “من الواضح أن هناك مؤسسات كبرى تتعرض أيضاً لهذه المخاطر، لكن الانكشاف يميل إلى أن يكون جزءاً صغيراً جداً من ميزانيتها العمومية… لذا حتى لو واجهوا مستويات السحب نفسها من الودائع، فهم أكثر عزلة”. (اقتصاد الشرق)