بورصة بيروت توسّع هوامش التسعير: إجراء حمائي أم تحضيري لخطوات مستقبلية؟

أصدرت إدارة بورصة بيروت التعميم الرقم 511-2024 في 25 حزيران 2024، والذي عدّل هوامش التسعير للأسهم المدرجة لتعزيز حركة التداول. التعميم ربط هوامش التسعير بعدد الأيام المتتالية التي لا تشهد فيها الأسهم تداولاً، إذ يتوسع الهامش كلما زادت هذه الأيام، حتى يبلغ 100% بعد 65 يوماً للأسهم العادية، و75 يوماً لأسهم سوليدير. كما حدّد التعميم الحدّ الأدنى لقيمة العملية للاستفادة من الهوامش المعدلة، على أن يبدأ سريان التعميم في 1 تموز 2024. ويأتي هذا التعميم كمحاولة لإعادة إحياء حركة البيع والشراء في سوق الأسهم التي واجهت انهياراً متناسقاً مع الانهيار في القطاع المصرفي أدّى إلى انخفاض كبير في النشاط والسيولة، خصوصاً بعدما أصبحت أسعار الأسهم في البورصة اللبنانية مسعّرة بـ«اللولار»، أي إنها لا تمثّل الأسعار الحقيقية. هناك تفسيرات تشير إلى أن هذا الإجراء هو لحماية أسعار الأسهم والسندات من تقلبات الأسعار المفاجئة أو المبنية على الصدمة، بينما هناك تفسير آخر يشير إلى أنها قد تكون خطوة تحضيرية لخطوات مستقبلية متصلة بتعديل الأسعار لتصبح على «الفريش» بدلاً من الدولار المصرفي.هوامش التسعير، هي الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء. هذا الأمر يشبه بالضبط الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء في ما يخص بيع الدولار وشراءه من الصرّاف، إذ يكون سعر بيع الدولار أقل من سعر شرائه. الهدف من هذا الهامش هو إعطاء الربح للجهة التي تؤمن السيولة للسوق بشكل مباشر، فكما يؤمّن هذا الهامش ربحاً للصرّاف الذي يؤمّن السيولة للسوق مباشرةً، يحدث الأمر نفسه في سوق الأسهم. المستفيد الأساسي من هوامش التسعير هي الجهة التي يُطلق عليها اسم «صانع السوق» (market maker) (تكون شركة أو فرد)، إلى جانب وسطاء السوق الذين يكونون على استعداد لشراء الأوراق المالية وبيعها بأسعار معروضة علناً. ويحقق «صانع السوق» ربحيته عبر هوامش التسعير، التي تُحدد الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء. في الحالات الطبيعية، حركة التداول هي التي تُحدد هذه الهوامش، فإذا كانت الحركة كبيرة، تُصبح الهوامش ضيقة، وعندما يُصبح هناك نقص في سيولة التداول، تتّسع هذه الهوامش.

لذا، يمكن اعتبار التعميم الصادر عن بورصة بيروت، باعتباره محاولة لحماية الأطراف التي تلعب دور «صانع السوق» في البورصة اللبنانية. إذ إن زيادة الهوامش إلى 100% يمكن أن يؤمّن حماية لصانع السوق مع توقّف التداول بالأسهم. بمعنى أنه إذا توقّف التداول بالسهم لمدة 65 يوماً، يمكن لصانع السوق أن يبيع هذا السهم بضعف السعر الذي اشتراه به. وارتفاع الهوامش بهذا الشكل يُشجّع المتداولين على تبديل أسهمهم بشكل أكبر تفادياً للخسارة من هذا الفرق الشاسع في السعر. لكن لهذا الأمر قد تكون انعكاسات سلبية على التداول بحد ذاته، إذ إنه يُشجّع التوقّف عن التداول بشكل عام، بسبب مخاطر هذا الارتفاع في هوامش الربح. لذا قد تنتج عن هذا القرار عمليات بيع للأسهم من دون شرائها.

عملياً، يمكن لرفع حجم هوامش التسعير في السوق، أن يُشكّل طريقة لتفادي التغيّرات الكبيرة والمفاجئة في أسعار بعض الأسهم، خصوصاً تلك التي تشهد ركوداً في الحركة لمدة طويلة، إذ يمكن أن يستغل ذلك بعض المضاربين للتلاعب بالأسعار. وجود هوامش تسعير كبيرة قد يمنع هذا الأمر وبالتالي يحمي المستثمرين العاديين. لكن قد يكون هذا القرار من بورصة بيروت، قراراً تحضيرياً لمسار طويل الأمد يهدف إلى تعديل أسعار الأسهم في البورصة لتحاكي سعر الصرف الحقيقي، بدلاً من أن تحاكي سعر اللولار. من غير الواضح كيف يمكن فعل هذا الأمر، وما هي الآليات التي يمكن أن تُعتمد لإجراء هذا التعديل على الأسعار، ولكنه أمر يجب أن يحصل عاجلاً أم آجلاً. فالوضع الحالي لسوق الأسهم في لبنان لا يمكن أن يجذب أي مستثمر خارجي، وهو الهدف من وجود سوق أسهم أصلاً في الدول النامية.