بين الدواء الإيراني والهندي وصيدليات “الأونلاين” والمخيمات.. وداعًا لقطاع الصيدلة!

“سوق وفلتانة!”… هكذا يمكن توصيف حالة قطاع الصّيدلة في لبنان الذي يعيش أسوأ أيامه، بعد أن حكمته عصابات السّوق السّوداء التي نبتت من داخل خيم النازحين، لتعود وتتوزع على مختلف المناطق اللّبنانية مستكملةً لمهام بيع الأدوية المزوّرة والمهرّبة، وغير الشّرعية، إذ يكبّدون الدولة خسائر بمئات الملايين من الدولار من دون أي حسيب أو رقيب..

فأين لبنان من أهم وأكثر القطاعات حساسيّة في اقتصاده؟

دواء بـ “المشكّل”

حسب مصادر صحية لـ “ليبانون فايلز”، فإن السوق اللّبناني حاليًا يعجّ بثلاثة أنواع من الأدوية، والتي توازيًا، لا تخضع لأي رقابة أو موافقة من قبل الجهات المعنية، إذ يعمد رؤساء العصابات هذه إلى استيراد الدواء السّوري والإيراني والهندي، ليخزنوها في خيم النّازحين ويبدأون بعملية التّوزيع بشكلٍ مخالفٍ للقانون تمامًا، إذ تؤكّد المصادر على أن عملية التّوزيع نسفت معيار العمل الصّيدلي بشكل فاضح، حيث أن هذه الأدوية من ناحية أولى تدخل إلى البلاد عن طريق “التهريب”، أضف إلى أنّها لا تخضع لأي اختبار من قبل الجهات الصّحية المعنية، والأكثر من ذلك كلّه يتلخص بأن وزارة الصّحة لا تدرج هذه الأدوية ضمن لائحة الأدوية المسموح استخدامها واستعمالها، ما يعني حتمًا تعريض حياة المواطنين والمرضى بشكل مباشر إلى الخطر وحتى إلى الموت.

التهريب المضاد

وبمشهدية “مستفزة” أُخرى، الدواء “اللبناني” المهرّب يقوم “بكزدورة” حسب نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم الذي أكد في احدى تصريحاته أن الدواء اللّبناني الذي تمّ تهريبه خلال الأزمة اللبنانية إلى الخارج خاصةً المدعوم منه يعود مجددًا إلى لبنان عن طريق إعادة إدخاله مرة أخرى بعدما يعجز المهربون عن بيعه في الدول التي هُرّب إليها، إذ يتم إدخاله من جديد إلى الصّيدليات غير الشّرعية التي اجتاحت السوق اللبناني، ونخصُّ بالذكر هنا صيدليات “الأونلاين” التي بدأت تأخذ منحى جديد في لبنان.

وبجولة على مواقع التواصل الإجتماعي يظهر بوضوح حجم الفلتان المريب الذي يتعرض له قطاع الصّيدلة في لبنان، ما يضع الصّيدليات الشرعيّة بمواجهة مع تلك التّي نبتت مؤخّرًأ بطريقة غير شرعيّة، إذ إن الغلبة دائمًا ما تكون لهذه الأخيرة، حيث تدخل بأسعارٍ تنافسية قوية، أضف إلى أن المريض يستطيع أن يحصل عليها بطريقة سهلة من دون أي وصفة طبيب. واللافت أن أصحاب هذه الصيدليات يُجاهرون بأرقامهم علنًا، وكأنهم بموقع التحدي مع الدولة.

وبحسب مصادر أمنية، أكّدت عبر “ليبانون فايلز” أن القوى المولجة بالملاحقة وبالتعاون مع وزارة الصحة استطاعت أن تقفل العديد من الصيدليات التي تتعامل مع هؤلاء المهربين، أو صيدليات “الأونلاين” التي لا تخضع لأيّ مسوّغ قانوني لناحية مزاولتها العمل، بالإضافة إلى مداهمة أوكار الشّركات التّي تستورد الأدويّة والمستلزمات الطّبية، إذ استطاعت بفترة زمنية قياسيّة إقفال ما يقارب 13 شركة تتعامل باستيراد الأدوية المزوّرة، أو الأدوية التي لا تخضع لمراقبة أو موافقة الجهات الصحية المسؤولة بوقت تعمل هذه الشركات على فرض الأسعار التي تحلو لها، وتتحكم بالمرضى على حسب أهوائها ومصالحها.

وداعًا للمكاتب العلميّة

وسط كلّ هذا، وجّهت الشّركات الأجنبية التي تدير المكاتب العلمية في لبنان والمسؤولة عن عملية إدخال الأدوية الجديدة إلى لبنان، وعرضها على المستوردين والتأكد منها ضربة قوية إلى قطاع الدواء في لبنان، إذ بحسب سلوم فإن هذه الشركات قد حزمت أمتعتها من لبنان بعد سنوات وسنوات من العمل وأنهت أعمالها واتجهت نحو الدول الخليجية بعدما ضاقت ذرعًا من القرارت التي تتخذ من دون أي مسؤولية، ويعزو الأمر إلى عنصرين أساسيين:

في مقدمة هذه العناصر تأتي الأدوية المزورة والمهرّبة التي بدأت تجتاح السوق اللبناني مع بدايات العام 2020؛ الفترة التي شهدت أوسع عملية تهريب للأدوية، وقد امتعضت هذه الشركات من هذا الموضوع، معتبرة أن الأدوية المزورة والمهرّبة يتّجه إليها اللّبناني مرغمًا بغض النّظر عن عوارضها الجانبيّة، ومن جانبها فهي لم تعد تتحمل حجم الخسائر الكبيرة التي تعرّضت إليها.

وما زاد الطّين بلةً حسب المصادر الصّحية، هي التّراخيص للأدوية الموازية التّي استطاعت العديد من الشركات الحصول عليها من قبل جهات رسمية، إذ منعت هذه التراخيص المكاتب العلمية من استكمال مهامها باعتبار أنها وُضعت بموقف المنافس، وهذا ما لا تهدف إليه هذه المكاتب.

وعليه، خسر لبنان مع إغلاق هذه المكاتب رصيدا كبيرا من الأفضلية كان يحظى به قطاع الصيدلة والدواء لناحية تميّزه في المنطقة.

نزيف الهجرة

بالأرقام لم تعد تحذيرات أصحاب الصيدليات وصولاً إلى النقيب فالمعنيين مجرّد كلام عابر عن الوضع، إذ إنّ ما يقارب الـ 4000 صيدلي باتوا حرفيًا يواجهون مصيرهم بين الهجرة أو البقاء عاطلين عن العمل، ويؤكد أحدهم خلال حديث مع “ليبانون فايلز” على أن القسم الأكبر منّا يواجه مصيره إمّا لأنّه لم يرضَ الدخول بلعبة المتاجرة بالإنسانية من خلال الاحتكار وهذا ما دفع مشغّله إلى طرده، وإمّا بسبب الغزو الأجنبي للصيادلة في لبنان حيث يشكّل كل من الفلسطينيين والسوريين الرقم الأكبر منهم، وهذا ما حرم آلاف الصيادلة من فرصة عمل داخل بلدهم..

فهل بات قطاع الصيدلة في لبنان قاب قوسين من الإنهيار ليطوي معه صفحة إنجازات طويلة تميّز خلالها في الشرق الأوسط بعدما كان قبلة المنطقة في هذا المجال؟