تحذيرات منصوري تضيع في اروقة المجلس النيابي والحكومة

كان واضحا حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري في كلامه الاخير بأن التأخير في اقرار القوانين الاصلاحية سيعزز الاقتصاد النقدي وتناميه ويعرض لبنان لعزلة دولية اكثر مما هو موجود فيها اضافة الى اهتزاز الاستقرار النقدي الذي له حدوده في الزمان والظروف السياسية والاقتصادية والامنية المتعلقة به وبالتالي لا يمكن لمصرف لبنان التحكم بالسياسة النقدية والاستقرار النقدي من دون تعاون تام مع الحكومة والمجلس النيابي .

هذا التحذير الذي يأتي من اعلى سلطة نقدية الى السلطة السياسية ما زال يلقى اهمالا وعدم مسؤولية وادراك لما وصلت اليه البلاد ، لان هذا الكلام سمعته من صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي والخبراء اللبنانيين والدوليين لكن دون جدوى .

فما يطالب به منصوري معروف وهو اقرار الكابيتال كونترول واعادة هيكلة القطاع المصرفي واعادة الانتظام المالي لمصرف لبنان وتحقيق الاصلاح في موازنتي ٢٠٢٣و٢٠٢٤،واذا كانت موازنة ٢٠٢٣شارفت على الانتهاء فأن موازنة ٢٠٢٤عنوانها يدل على استمرار النهج الحكومي ذاته كأنه لم نتعرض لاي انهيار اقتصادي ومالي وان الدنيا ما تزال بألف خير وان مصرف لبنان جاهز لاقراض الحكومة سواء بالليرة اللبنانية او الدولار الاميركي كما كان يحصل سابقا ابان عهد الحاكم السابق رياض سلامة ،والدليل على ذلك الاتفاق الحكومي على زيادة العجز فيها الى ٢٤في المئة بعد ان كانت ١٩في المئة بسبب سياسة الانفاق التي يريدها الوزراء وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه اليوم من اين ستؤمن الحكومة سد العجز بعد ان اعلن منصوري رفضه تغطيته وبعد ان غسل المجتمع الدولي يديه من اي مساعدة طالما ان لبنان لا يطبق الاصلاحات التي تعيده الى الخارطة الاقتصادية السليمة ،ويبدو ان الحكومة لن تجد سبيلا لتغطية العجز الا من خلال فرض المزيد من الضرائب والرسوم على المواطن الذي لم يعد باستطاعته تحمل المزيد من الاعباء وهذا ما يعزز اللجوء الى الاقتصاد غير الشرعي ،حتى ان هذه الموازنة اتت خالية من اي اصلاحات مالية تحقق ما يطالب به منصوري وصندوق النقد الدولي .

حتى ان موضوع اعادة هيكلة القطاع المصرفي لم يجد له مخرجا حيث لا نهوض اقتصادي ولا اقتصاد سليم و ان رئيس لجنة المال النيابية النائب ابراهيم كنعان كان واضحا عندما اكد ان لجنة المال النيابية تريد اجراء المسح للمصارف والقطاع العام لكي يبنى على الشىء مقتضاه لكن كنعان فوجىء انه على الرغم من مرور اربع سنوات على الازمة المالية والنقدية لم تصل الى اللجنة اية ارقام رسمية ومدققة حول موجودات المصارف والدولة واوضاعها وملاتها في الوقت الذي يتم هدر الوقت بينما الودائع تتاكل والالتزامات تتبخر متسائلة مصادر مالية :كيف يمكن اعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة التوازن المالي من دون الحد الادنى المطلوب لتحقيق هذا الهدف مع العلم ان ابواب المجلس النيابي ما تزال موصدة في وجه تشريع القوانين الاصلاحية ومنها مشروع قانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي بعد احجام بعض الكتل النيابية عن ذلك بسبب اعتبار المجلس النيابي هيئة انتخابية لرئيس الجمهورية ولا لشيء اخر .

في هذا الوقت يستمر الضياع في القطاع المصرفي في ظل الاوضاع المستقبلية المجهولة رغم ان هذا القطاع بحاجة اليوم الى معرفة مصيره ،فهناك مصارف تريد الاستمرار في السوق المصرفية وهناك اخرى تنتظر الخروج منها وهناك مصارف تريد البيع لانها غير قادرة على الاستمرار في ظل هذه الاوضاع .

اما بالنسبة لمشروع قانون الكابيتال كونترول يتبين ان اكثر من طرف يرفض هذا القانون بصيغته التي اقرتها اللجان النيابية المشتركة حتى المودعون .

يقول منصوري : “للأسف أنه بعد مرور قرابة الشهر، لم يتم تحقيق أي من الخطوات المطلوبة في الخطة. فموازنة العام 2023 التي أقرت الأسبوع الفائت في مجلس الوزراء خلصت الى عجز قيمته 46 تريليون ليرة اي ما يعادل 24% منها. وكان اول مطلب في خطة مصرف لبنان إقرار موازنة متوازنة. فمن أي موارد خارجية سيتم تغطية العجز؟ هل يعتقد أحد أنه بالإمكان الإستمرار بهذه السياسة المالية؟ ومن اين ستؤمن الحكومة حاجاتها من العملات الأجنبية؟

ما نؤكد عليه اليوم هو ان مصرف لبنان لن يقوم بالتأكيد بتغطية العجز عبر إقراض الحكومة سواء أكان ذلك بالليرة اللبنانية أو بالعملات الأجنبية. بل يقتضي ان يتم ذلك من خلال تفعيل الجباية وتوزيع عادل للضرائب وتوسيع شريحة المكلفين وفتح كافة دوائر الدولة وعلى رأسها مراكز الميكانيك والدوائر العقارية، وضبط مرافئ الدولة والحدود الشرعية وغير الشرعية”.

لكنه لفت إلى أن “الانتظام المالي للدولة لن يتحقق من دون إقرار القوانين الإصلاحية وتحديداً قانون Capital Control وقانون إعادة التوازن المالي وقانون إعادة هيكلة المصارف. فبعد نحو أربع سنوات من اندلاع الازمة، فشل لبنان في إقرار قوانين تشكل المخرج الوحيد له من الأزمة المالية غير المسبوقة التي يعيشها.

على اية حال مر شهر على تسلم منصوري الحاكمية ومر اسبوع على تحذيراته بخصوص القوانين الاصلاحية ويبدو ان الايام ستمر ولن يتعاون المجلس النيابي والحكومة في اقرار هذه الاصلاحات طالما لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وطالما لم يقتنع بعد هؤلاء باهمية هذا الموضوع الذي يساوي الغائهم من الحياة السياسية .

وفي هذا الاطار يؤيد احد الخبراء الماليين ما قاله منصوري لان خارطة الطريق الى اي نهوض اقتصادي يمر عبر اقرار القوانين الاصلاحية لانها مطلب صندوق النقد الدولي البوابة الرئيسية نحو المؤسسات المالية العالمية ومطلب المجتمع الدولي ومطلب اي شخص يريد مصلحة هذا البلد لان الاستمرار في التخبط وعدم تحمل المسؤولية يؤدي الى المزيد من التأزم الاقتصادي وفقدان اي مناعة اقتصادية لمواجهة التحديات والالتزامات القريبة ومنها مصير سعر صرف الدولار الذي حذر منه منصوري بان الاستقرار النقدي لن يدوم في حال لم تطبق هذه الاصلاحات وبالتالي لا يعرف السقوف التي سيصل اليها .

واعتبر هذا الخبير ان هذه الاصلاحات تقع ضمن تشريع الضرورة وبالتالي من المفروض ان يعي اعضاء المجلس النيابي اهمية اقرار الاصلاحات والا سيضيع البلد ويضيعون معه .