خيارات الحاكم تضيق والسلطة تتجنّب البحث عن البديل

الحاكم تغيب للمرة الثالثة على التوالي بحجة أن التحقيق مسيّس، وقد طالب أكثر من مرة بكف يد القاضية المحسوبة على فريق رئيس الجمهورية عن الملف. في حين أن السبب الحقيقي قد يكون خشية الحاكم من إصدار القاضية قراراً بتوقيفه وجاهياً لاحتمال حفظها وتكتمها عما يتضمنه ملفها من دلائل ومعطيات جدية تواجهه بها، وقد تؤدي إلى إدانته في حال لم يتمكن من دحضها أو إثبات عكسها أو أقله عدم جديتها، أو حتى في حال تبين من خلال تحقيقاتها أنه ظهرت مخالفات أخرى خطيرة تدينه من خارج الملفات المتداول بها»، يقول خبير قانوني مطلّع على مجريات الأمور.

يتشابك في ملفات الدعاوى على الحاكم، القضاء بالسياسة. ففي مقابل محاولة العدالة أخذ مجراها الطبيعي، يتحصّن الحاكم بحماية رئيسي مجلسي النواب والوزراء، حيث هدد الأخير بالاستقالة في حال التعرض لحاكم المركزي، معتبراً أن لا أحد يغيّر الضباط في الحرب. أكثر من ذلك فقد أسفرت التدخلات السياسية عن منع القاضي جان طنوس المولج التحقيق بالشكاوى والإجراءات المقامة في الخارج والداخل ضد الحاكم والمقربين منه من السفر، وتشارك المعلومات التي تتعلق بتحويلات ومقبوضات شقيق الحاكم رجا سلامة، الناتجة عن العمولات المتأتية من عقد خدمات وتوسط موقّع مع مصرف لبنان لأكثر من عقد من الزمان. و»بدلاً من تزويد هيئة التحقيق الخاصة القضاء المختص بالمعلومات التي وصلتها من المصارف عن الملف بذريعة التحصن بالقانون رقم 44/2015، ما زالت تتستر عليها»، يقول الخبير المالي والضرائبي المحامي كريم ضاهر، «مع العلم أن المسؤولية لا تقتضي التعاون فحسب إنما تنحي حاكم مصرف لبنان الذي يشغل أيضاً منصب رئيس هذه الهيئة، بسبب تضارب المصالح».

تخلّف الحاكم 3 مرات عن المثول أمام المدعية العامة، هو السبب باصدار مذكرة توقيف بحقه. هذا من الزاوية الجزائية. أما من الناحية المنطقية، فيبرز السؤال عن الدوافع الكامنة وراء عدم مثوله. ولا سيما إن كان متيقناً من براءته!

مبدئياً هناك سبب من اثنين لعدم حضور الاستجواب، إما انه متخوف مما يمكن أن تواجهه به، وإما لاعتباره أن القاضية «مسيّسة» لجهة الإدعاء بأنها قريبة من فريق رئيس الجمهورية ولديها مشكلة شخصية معه، وقد سبق وطلب كف يدها عن الملف. وفي الحالتين فان المطلوب واحد وهو تبيان الخيط الأسود من الأبيض في هذا الملف. «خصوصاً بعدما أحيلت القاضية إلى التفتيش القضائي بدعوى تخطي صلاحياتها من دون أن نعرف بالتفصيل ما هي النتيجة التي توصل لها»، يقول ضاهر. وتباعاً ما هو موقف مجلس القضاء الأعلى من دعاوى كف اليد عن الملف. فعدم اتخاذ أي إجراء بحقها يعني أن القاضية تسير في المسار الصحيح. لا سيما وأن الملاحقات لم تعد مقتصرة على النيابة العامة في جبل لبنان، بل أيضاً في بيروت ناهيك عما هو مقام من تحقيقات وشكاوى في الخارج.

خلافاً لكل نظريات المؤامرة ووضع ملاحقة الحاكم في خانة الضغط عليه وعلى رئيس الحكومة من خلفه لتمرير سلفة الكهرباء، فان «الملاحقة واقعة قبلاً»، برأي ضاهر. ومن ناحية ثانية فان التعقيدات التي ترافق إقرار السلفة تتخطى تمويلها من مصرف لبنان وتتصل بالخلاف عليها داخل الحكومة، وحتى ضمن مجلس النواب كونها تستدعي رصد إعتماد لها في الموازنة أو إقرار سلفة خزينة. وهذا ما يدفع إلى الشك بان وضع الملاحقة بحق الحاكم في الخانة السياسية هدفه التعمية على موضوع الدعوى الحقيقية وإخفاء سبب الملاحقة الأساسية.

أمام هذا الواقع المعقد يعتبر كريم ضاهر أن «خشية البعض على الوضع النقدي ليست في مكانها. فـ»المبتل» بالانهيار الاقتصادي وفقدان عملته الوطنية أكثر من 80 في المئة من قيمتها، لا يخشى «الغرق» في مخاوف تغيير الحاكم أو حتى إقالته». هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فيقول ضاهر إن «صورة لبنان في الداخل والخارج تشوهت مع الملاحقات والإجراءات المرفوعة في 5 بلدان أجنبية على الأقل بحق الحاكم، والمخالفات المفندة في هذه الدعاوى، وتحديداً في كل من فرنسا وسويسرا، عن طريق شبهات الفساد وتبييض الأموال التي تلاحق شركة «فوري»، وإيجارات وإستثمارات في فرنسا. فالحاكم ملاحق في هذه البلدان من قبل القضاء، وليس من قبل الصحافة الاستقصائية. والتعجب ليس ببقائه على سدة حاكمية مصرف لبنان فحسب، إنما أيضاً على رأس كل من هيئة التحقيق الخاصة التي تحقق بقضايا الفساد وتبييض الاموال، وعلى رأس هيئة الأسواق المالية، وفي الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي لايجاد حل لاعادة توزيع الخسائر التي تسببت بها سياساته بالتكافل والتضامن مع الدولة والمصارف.