رغم القيود المفروضة: السوريون “استرجعوا” ودائعهم من لبنان!

لم يسلم المودعون السوريون من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي وقعت في لبنان أواخر العام 2019، وفرضت بسببها المصارف قيوداً على حركة السحوبات، وبالتالي، أصبح المودع غير قادر على إدارة حسابه كما يشاء، سواء بسحب المبالغ التي يحتاجها أو إجراء التحويلات. وبناء عليه، بحث المودعون السوريون عن طرق مختلفة لإخراج أموالهم من المصارف، وأحدها كان شراء العقارات وبيعها.

يقول رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في بنك بيبلوس، نسيب غبريل: ترتفع وتيرة بيع العقارات وشرائها حسب الأوضاع العامة. ويمكن شراء العقارات عن طريق الودائع المصرفية، مع ملاحظة الارتفاع بالأسعار مؤخراً، لمن يريد تسديد ثمن العقار عبر الشيكات المصرفية. وتظهر الأرقام حجم المعاملات العقارية من إجمالي حصة الأجانب. وتقدر نسبة المعاملات العقارية لغير اللبنانيين التي نفذها السوريون في شهر أيلول 2019 بنسبة 16%، ويلاحظ ارتفاع هذه النسبة إلى 19% في الشهر التالي. كما بلغت 47% في شهر كانون الأول 2019، وحافظت على هذا المستوى المرتفع في العام 2020، حين وصلت في شهر شباط إلى نسبة 33%، وفي شهر أيار 41%، لتنخفض مع بداية العام 2021 إلى 4%، ثم تعاود الارتفاع في شهر شباط من العام 2021 لتصل إلى 19.5% و 28.6% في شهر نيسان و29% في شهر آب. وهذه النسب هي جزء من 993 عملية بيع عقارية تمت من قبل أجانب في العام 2019، بينما في العام 2020 بلغ مجموع العمليات العقارية 1258.

ويوضح غبريل الأسباب التي جعلت المودعين يلجأون إلى القطاع العقاري لاسترجاع أموالهم: عندما بدأت الأزمة في لبنان في أيلول 2019، كانت أزمة سيولة ناتجة عن أزمة الثقة التي ظهرت تدريجيًا في العام 2018، وتطورت شيئاً فشيئاً حتى تشرين الأول 2019 عند قيام الانتفاضة الشعبية. إلا أنه منذ شهر أيلول حصل تراجع حاد في تدفق الأموال بالعملات الأجنبية، أدى إلى شح السيولة في السوق اللبناني، وشمل ذلك القطاع المصرفي. وتبع ذلك قيام المودعين بتحويل أموالهم أو سحبها نقدًا، مما أثر بشكل أكبر على السيولة، فاضطرت المصارف لوضع سقوف للسحوبات بالعملات الأجنبية، بعدما حاولت مع السلطات اللبنانية التوجه لإقرار قانون capital control. وهو إجراء تتخذه الدول عند حصول تراجع حاد في تدفق رؤوس الأموال. وعندما لم يقر مجلس النواب هذا القانون، اتجهت المصارف لوضع ضوابطها الخاصة. وهذا ما جعل المودعين يبحثون عن طرق مختلفة لإخراج أموالهم من المصارف، وإحداها كان الاستثمار في القطاع العقاري اللبناني. وانسحب ذلك على المودعين من كافة الجنسيات، بمن فيهم السوريين، ما أدى لارتفاع الطلب في القطاع العقاري، بعد جموده خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كما استفاد المطورون العقاريون، وقاموا بتسديد ديونهم للمصارف، حتى أصبحوا يطلبون جزءاً من ثمن العقار نقداً وليس شيكاً.

يقدر الخبير الاقتصادي، وليد أبو سليمان، حجم الأموال التي سحبت للاستثمار في القطاع العقاري وبما يسمى capital flight بحوالى 25 مليار دولار. وذلك منذ نشوب الأزمة الاقتصادية في لبنان، مشيراً إلى وجود تراجع وصعوبة مؤخراً في حركة التداول بالشيكات المتعلقة بعمليات البيع والشراء في القطاع العقاري. ويرجع السبب إلى أن المطورين العقاريين وأصحاب العقارات توقفوا عن قبول الشيكات المصرفية، نظراً لتمكنهم من تسديد ديونهم للمصارف التي اقترضوا منها لتطوير مشاريعهم في سنوات سابقة، من خلال الأموال التي سحبها المودعون من حساباتهم المصرفية، لشراء العقارات، وبالتالي أصبحت الشيكات لا قيمة لها. ومع تمكن بعض المودعين السوريين من سحب أموالهم، لا يزال هناك قسم منها محتجزاً، بسبب الكلفة العالية لسحبها.