صندوق النقد “شمّاعة” السلطة لـ “تعليق” الآمال بالإصلاحات

ي 29 أيلول الفائت ومع انتهاء فترة التعميم 151 الصادر في 21 نيسان 2021، رفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفع سقف السحوبات إلى أكثر من 3900 ليرة. مبرراً ذلك بان “المعطيات المالية والنقدية المتوافرة، لا تسمح بتعديل سعر صرف الدولار”، وبأن أي تغيير “ستكون له تداعيات كبيرة على الكتلة النقدية وسعر صرف الدولار، في غياب خطة اقتصادية ومالية شاملة، والتي نأمل أن يتم وضعها في أقرب وقت ممكن”. وعليه مدد العمل بالتعميم 151 لغاية 31 كانون الثاني، “لاعطاء الوقت للحكومة لتقديم مشروعها الإصلاحي” بحسب بيانه. إلا أن الحكومة من وقتها، أي منذ شهرين وعشرة أيام، ليس فقط لم تقدم أي خطة، بل لم تجتمع في الأساس. ودخلت هي وكل مشاريعها في موت سريري. فما الذي تغير ليبادر مصرف لبنان إلى رفع سقف السحوبات قبل أوانه؟

فعلياً لم يتغير شيء. “هذه هي خطة السلطتين السياسية والنقدية منذ بداية الأزمة”، يقول المحامي والباحث الاقتصادي أديب طعمة، فـ”هذه السلطة مدركة جيداً أنها أعجز من أن تنفّذ الإصلاحات المطلوبة منها من صندوق النقد الدولي للحصول على المساعدات والخروج من الأزمة. ولذا اختارت من أول الطريق تذويب ودائع الناس في المصارف لكونها تمثل ديناً على الدولة. وللوصول إلى الهدف المنشود تنتهج طريقين منحرفين باتجاه بعضهما البعض. الأول يتمثل بتخفيض قيمة الليرة اللبنانية من خلال طباعة النقود وتسديد الودائع بالعملة الأجنبية بالليرة اللبنانية، والثاني يتمثل بتفلّت حبل الاسعار وما يرافقه من تضخم هائل. وهذان الخطان سيلتقيان في آخر المطاف برأي طعمة بعد أن تكون الدولة قد “صفّرت” دينها والمصارف احتفظت بالدولارات النقدية.

السقف الذي سيبلغه سعر صرف الدولار في القريب العاجل سيكون “44 ألف ليرة”، بحسب الخبير الاقتصادي فادي جواد، “ذلك أن سعر 3900 ليرة كان يشكل نحو 18 في المئة من سعر السوق”. وبرأي جواد فإن “المشكلة هي بتعامل المسؤولين مع أي قضية بالقطعة من دون وجود رؤية اقتصادية متكاملة. فهذا القرار سيحتم في المقابل رفع أجور الموظفين بنسبة 50 في المئة كما يُطَالب. الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير الرواتب، نظراً لما سينتج عن هذه العملية من ضخ للسيولة بحجم يقدر بـ10 آلاف مليار ليرة. وعليه ستزيد نسب التضخم بشكل هائل بسبب اعتماد الاقتصاد بنحو 70 في المئة أو حتى اكثر في استهلاكه على المواد الاولية والبضائع المستوردة.

من الواضح أن الاقتصاد دخل في دوامة من التضخم المفرط لا خروج منها. فلكي يسحب مصرف لبنان السيولة المترتبة عن رفع سقف السحوبات إلى 8000 ليرة، وما سيتبعها من زيادات على الرواتب والأجور لنحو 420 ألف موظف بنسبة لا تقل عن 50 في المئة، ورفع بدل النقل إلى 64 ألف ليرة، بكلفة إجمالية قد تصل إلى حوالى 22 ألف مليار ليرة، سيعمد إلى إجراءات تضخمية.

وبرأي جواد فان “كل ما يحدث مخطط له، لتجفيف أصول المودعين التي كانت حوالى 170 ملياراً لتصل الى رقم قريب من المبلغ المتوفر في البنك المركزي”. ويضيف أن “هذه الطريقة ستمكنهم من نفض أيديهم بما اقترفت من خطايا بحق مقدرات هذا الشعب داخل وخارج الوطن. وللاسف ان هذه العملية هي اسلوب “بونزي” بشكل معاكس على الطريقة اللبنانية!