صندوق النقد و«المعايير الدولية» تصنّف لبنان في خانة «التضخّم المفرط»: ضربة جديدة للمصارف!

الاقتصاد اللبناني، بحسب معايير المحاسبة الدولية وصندوق النقد الدولي، في حالة «تضخّم مُفرط». تبنّي المنظمات الدولية رسمياً لذلك، وتوقّعها أن تدوم هذه الحالة لعدّة سنوات، يعني أنّ على كلّ المؤسسات في لبنان التي تعتمد معايير المحاسبة الدولية وضع ميزانيات جديدة للعام 2021 تأخذ في عين الاعتبار انهيار العملة ووجود التضخّم المُفرط، وإلا فلن يكون مُعترفاً بهذه الميزانيات دولياً، ومن بينها المصارف التجارية!

البيانات المالية للمصارف والشركات المالية والتأمين، وكلّ مؤسسة تلتزم معايير المحاسبة الدولية في لبنان، «لا قيمة لها»! هي «الضربة المُحاسبية» الثانية التي تتلقاها الشركات اللبنانية، بعد أن وضعت شركات التدقيق المالي تقارير سنة 2019 للمصارف وبيّنت أنّ جميعها لم تُقدّم أرقاماً كافية للقيام بتحليل دقيق لمستوى السيولة والملاءة والربحية لديها، مع شكوك في قدرتها على الاستمرار («الأخبار»، عدد 9 تشرين الثاني 2020، www.al-akhbar.com/Politics/296199). السبب هذه المرّة، إضافةُ لبنان إلى لائحة الدول التي «تجاوزت معدّلات التضخم التراكمي لثلاث سنوات 100%»، وباتت تُصنّف اقتصاداتها كـ«تضخّم مُفرط»، ما يُحتّم إعادة صوغ البيانات المالية لسنة 2020 بالاستناد إلى مؤشّر أسعار الاستهلاك (CPI)، وإلّا لا تكون أرقام الربح والخسارة «حقيقية».

مُصطلح «التضخّم المُفرط» اقتصادياً، يعني أن ترتفع الأسعار في بلد ما بأكثر من 50% شهرياً، وتنخفض معها القوّة الشرائية للعملة المحلية، وغالباً ما يكون الاقتصاد يُعاني من مشاكل مالية عدّة «تنفجر» في لحظة ما، فينهار سعر الصرف.

صندوق النقد الدولي انضّم إلى «الجوقة»، ناشراً أنّ على هذه البلدان تقديم بيانات مالية تأخذ في عين الاعتبار المعيارين «IAS 29»، والمعيار «IAS 21». وفي السياق ذاته، أصدرت شركة التدقيق المالي «PwC» تقريراً تدعو فيه كلّ المؤسسات في لبنان وإيران إلى «تطبيق الـIAS 29 كما لو أنّ الاقتصاد كان دائماً في حالة تضخّم مُفرط». في الحالة اللبنانية تحديداً، ترى الشركة أنّ «معدّل التضخّم كان حتى الـ2019 أقلّ من 10% سنوياً، ولكن منذ بداية الـ2020 ارتفع بشكل كبير، وبحسب المعطيات سيتجاوز التضخّم التراكمي لثلاث سنوات عتبة الـ100%، ومن المتوقع أن يستمر ذلك في السنوات المقبلة بسبب التدهور الاقتصادي وانهيار العملة».

لتضخّم مؤشّر اقتصادي أساسي، ويؤثّر بشكل رئيسي على القرارات التي تتخذها المصارف المركزية في إطار السياسات النقدية. وحين تتوقّع شركة «PwC» أنّ الاقتصاد اللبناني سيُعاني من التضخّم المُفرط للسنوات المقبلة، فذلك «يعني أنّ علينا تغيير قواعد المحاسبة، وتوحيد سعر صرف الدولار للتمكّن من وضع ميزانيات دقيقة»، يقول عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف.

بموجب التعميم 140 الصادر عن مصرف لبنان، «يُطلب من المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان الالتزام بتطبيق المعايير الدولية للتقارير المالية»، إلا أنّ وجود تعميم لا يعني «إلزام» المصارف به كما تُشير التجارب السابقة. فمصرف لبنان كان المُبادر سابقاً إلى «خرق» تعميمه، حين حدّد للمصارف نسب احتساب الملاءة والمؤونات بما يُخالف معايير المحاسبة العالمية، وذلك حتى لا تنهار نهائياً. ولأنّ الأزمة اللبنانية شديدة التعقيد وغير واضحة، يقول المسؤول في شركة التدقيق العالمية إنّه «نصحنا وزارة المالية طلب شطب لبنان من لائحة التضخم المفرط لعام 2020 حتى تتوضّح الأمور، من دون نتيجة. فالمعيار الأهم أن تصدر أرقام موحدّة ودقيقة عن وزارة المالية، تُحدّد سعر الصرف الفعلي ونسبة التضخّم. فحتّى لو أرادت المؤسسات الالتزام بالمعايير الدولية، فإن الأرقام غير موجودة».