كلّ الأسعار سترتفع

خلال أقلّ من ثلاثة أسابيع، قفزت أسعار البنزين والمازوت بنسبة هائلة. سعر طن المازوت وصل إلى 1400 دولار (تذبذب السعر أمس بين 1300 دولار و1700 دولار) مقارنة مع 756 دولاراً في الأسبوع الأخير من شباط، أي ما نسبته 85%. وبلغ سعر طن البنزين 1200 دولار مقارنة مع 870 دولاراً في الأسبوع الأخير من شباط بزيادة نسبتها 64%. حتى يوم أمس، لم تكن هذه القفزات الهائلة قد انعكست بشكل كامل في أسعار المبيع في السوق المحلية، إلا بنسبة زيادة بلغت 30% للمازوت و19% للبنزين. لكن مع التعديلات التي أجريت على آلية احتساب سعر المشتقات في جدول تركيب الأسعار الذي تصدره وزارة الطاقة، سيصبح انعكاس الأسعار شبه فوري وضمن مدى زمني أقصاه خمسة أيام وأدناه يوم واحد. هذا يعني أنه خلال بضعة أيام، ستصبح الأسعار المحلية شبه موازية للأسعار العالمية وستعكس كل تطوّراتها أيضاً.

حتى الآن، لم تُظهر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أيّ قلق تجاه هذه التطورات وتداعياتها الاقتصادية والمجتمعية. فالمؤسّسات المنتجة ستعاني من ارتفاع في أكلاف الإنتاج مصدره خارجي يتعلق بارتفاع أسعار المواد الأولية والمشتقات النفطية، فضلاً عن مصدر محلي يتعلق بارتفاع سعر صرف الدولار. واللافت أن الأسعار المحلية تتغذّى على عاملين متحرّكين في اتجاه واحد في الوقت نفسه. فكلما ارتفعت الأسعار العالمية، زادت الحاجة إلى الدولارات في الداخل وارتفع سعرها مقابل الليرة.

إذاً، من أين تأتي الدولارات لتمويل الاستيراد؟ هي تأتي من مصرف لبنان بشكل أساسي. فهو المسؤول عن إدارة الكتل النقدية وتدفقاتها من لبنان وإليه. وهو مسؤول أيضاً عن تأمين الدولارات اللازمة للدولة وللسوق. لكن مصرف لبنان عاجز منذ فترة عن تأدية هذه الوظيفة التي تهدف إلى الحفاظ على سلامة النقد اللبناني كما ينص قانون النقد والتسليف. فهو لم يحافظ على سلامة النقد، ولم تعد لديه القدرة على إدارة التدفقات عبر القطاع المصرفي، بل باتت قدرته محصورة بالاستيلاء على الدولارات التي تتلقاها مؤسّسات التحويل مثل OMT وBOB وسواهما، ثم إعادة ضخّها في السوق بواسطة أدوات مثل منصّة «صيرفة» والتعميم 161. ومن خلال هذه الأدوات، استعاد مصرف لبنان بعضاً من قدرته على التدخّل في سوق القطع بائعاً وشارياً للدولار والليرة اللبنانية واستعملها بهدف تحقيق استقرار هشّ في سعر الصرف. وهو استقرار هشّ لأنه غير قابل للاستدامة على المدى الطويل.

تشير المعلومات المتداولة بين الصرافين والمصرفيين إلى جهتين أساسيتين أسهمتا في زيادة الطلب على الدولار؛
ــــ مصرف لبنان أوقف ضخّ السيولة بالدولار النقدي للمصارف طوال أمس. وهدفه أن يرفع سعر الدولار في السوق الحرّة لإغراء الناس بتصريف دولاراتهم المخزنة في المنازل مقابل سعر أعلى من سعر «صيرفة». لاحقاً سيمتصّ هذه الدولارات من الصرافين لإعادة ضخّها عبر المصارف. بهذه الطريقة يكون مصرف لبنان قد استقطب الدولارات لإعادة ضخّها في السوق، ثم امتصّ مقابلها ليرات، لكنه سيكون قد أسهم في رفع سعر الدولار بهدف السيطرة عليه مجدداً وخفضه إلى المستوى الذي يراه مناسباً له، أي 20500 ليرة وسطياً.

ــــ التجّار سجّلوا طلباً إضافياً على الدولار تحسّباً لتوقف مصرف لبنان عن ضخّ السيولة بالدولار في السوق. فهم لا يثقون بأنه سيواصل تطبيق التعميم 161، ولا سيما أنه يمدّده شهرياً، ما يعني أنه يعتزم وقف العمل به في أي لحظة.

عملياً، لبنان يتلقّى الضربات من الداخل والخارج. الأسعار بدأت بالارتفاع وستشهد المزيد من الارتفاع في الأيام المقبلة، علماً بأن نسبة الارتفاع ووتيرته مرتبطتان بتطوّرات الخارج المتّصلة بالحرب الاقتصادية بين روسيا وأوروبا وأميركا.