لا إصلاحات ولا مصلحين: خلاصة زيارة وفد صندوق النقد

في كل مرة يزور فيها وفد صندوق النقد الدولي بيروت ويجول على القيادات المعنية بإدارة الدولة اللبنانية يجد الأمور كما يقال في اللغة اللبنانية “ع حطّت إيدو” منذ الزيارة الأخيرة.

لا تقدّم نحو أي خطوة إصلاحية ولا حتى نوايا إيجابية في هذا الاتجاه؛ فالقطاع المصرفي يصارع الموت ودخل في شبه غيبوبة طويلة الأمد، بعضه يعيش على ما تيسّر من الأوكسيجين الذي تؤمنه حسابات الفريش دولار، وبعضه يقفل فروعاً ويصرف عشرات الموظفين لينضموا إلى الشريحة الكبرى من العاطلين عن العمل، فيما يسود اقتصاد الكاش، الذي تحذر منه المؤسسات المالية العالمية وكبار الخبراء الاقتصاديين لما يفتح من أبواب على تبييض الأموال والتهريب والتهرّب لا سيما في بلد “سايب” أصلاً كلبنان.

الودائع تتحرّك على ألسن المسؤولين أمام وفد الصندوق من باب التأكيد على أنها مقدّسة ومحفوظة، وهي لازمة ملّ الوفد سماعها في كل جولة استطلاعية.

هذه المرة، كان الوفد صريحاً عندما سأل: لماذا لا يصارح المسؤولون المودعين بالقول لهم “إن ودائعهم لن تعود في المدى المنظور؟”

وهذا المدى المنظور بحسب سلحفاة الإصلاح اللبنانية، يمتد ليس إلى الأبناء بل إلى الأحفاد، وما على المودعين سوى القبول بحفنة الدولارات الشهرية من حساباتهم والموافقة على الهيركات غير القانوني وغير المشروع الذي تمارسه المصارف، وفي جديد الطروحات تحويل الودائع إلى سندات خزينة تُباع لبنوك ومؤسسات مالية خارجية موثوقة يجري تسديدها مع فوائدها بعد ثلاثين عاماً.

وحده حاكم البنك المركزي بالإنابة وسيم منصوري يتحرّك ضمن ما يسمح به قانون النقد والتسليف علّه من خلال خفض نسبة التضخّم وتثبيت سعر الصرف كما هو حاصل، يتمكن من تمرير الوقت بأقل الأضرار ريثما يحل “الروح القدس” على الحكومة والمجلس النيابي لإنجاز الإصلاحات المطلوبة بإلحاح من صندوق النقد الدولي لإبرام الإتفاق النهائي معه على خطة تعافٍ، ما يتيح للبنانيين رؤية النور في نهاية النفق واستعادة بعضٍ من كرامة العيش.

وفي هذا السياق، يرى خبير مالي واقتصادي أن منصوري قد رسم خارطة الطريق لاستعادة النمو، فإعادة أموال المودعين لن تحصل إن لم توضع خطة للنهوض بالقطاع المصرفي وإعادة إحيائه، وشدد على المحاسبة، وهي النقطة الأهم، لكنها ليست سهلة ولا تحصل “بطقشة أصابع”، كما يُقال، لأن التدخلات السياسية لا توفر النظام القضائي من المحسوبيات إلى الضغوط، من دون إنكار وجود قضاة شرفاء مستقلين لا يتيحون الفرصة لأي طرف سياسي ليتدخل في عملهم”.

ويقول الخبير لـ “ليبانون فايلز”: إن “مطالب منصوري محقة لكن تحقيقها صعب المنال؛ فإصلاح القضاء دونه مخاض طويل يجب أن يمر به لبنان قبل الإصلاح القضائي، وهناك النمو الاقتصادي الذي لا يمكن أن يتحقق قبل إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإستعادة الثقة به، ووقف التهريب على الحدود، وإعادة النازحين إلى ديارهم”. ويضيف “إن إصلاح القطاع المصرفي بحسب الخطة الحكومية لا يمكن أن يتحقق، لأنها تعمد إلى شطب ديونها ما يعني “طارت الودائع”، عندها لا يمكن استعادة الثقة بالقطاع برمته حتى ولو دخلت مصارف جديدة وكبيرة إلى السوق اللبنانية، ما يضرب أي نمو اقتصادي”، من هنا يعتمد البنك المركزي على الوسائل التقليدية المتوفرة لتحقيق الاستقرار النقدي من خلال الكتل النقدية، وهذه الاداة، يقول الخبير المالي، ليست مثالية لكنها الوحيدة المتاحة، فيما الأداة المثالية هي سعر الفائدة بالإضافة إلى ضخ أو سحب السيولة من الأسواق وهي أدوات غير متوفرة للبنك المركزي راهناً”.

ويوضح الخبير أن ماكينزي لم تضع خطة للبنان بل رؤية جيدة جداً، وهي أفضل الممكن لنبدأ عملية النمو الاقتصادي، معتبراً أن إعادة إحيائها تشكل نقطة انطلاق؛ لكن أي نمو يحتاج إلى قضاء حاسم وحازم يعمل على المحاسبة لإعادة الودائع، في حين أن السلطة السياسية تريد شطب الدين العام وهو ما يمكن وصفه بالفضيحة الكبرى، أما الشعب اللبناني فيريد أن يعرف أين وكيف صرف مبلغ الـ 96 مليار دولار وأين تبخرت ودائعه”.