مصارف لبنانية متورطة في عمليات مشبوهة لتهريب الأموال

اتضحت الملامح الأولية لجبل الفساد في عمليات تحويل المصارف اللبنانية للأموال إلى الخارج بعد نحو تسعة أشهر من انفجار انتفاضة ضد الطبقة الحاكمة المتهمة بالتلاعب بمدخرات الدولة.

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن آلان بيفاني، وهو مسؤول مالي كبير سابق قوله إن “البنوك اللبنانية هرّبت ما يقرب من ستة مليارات دولار منذ أكتوبر الماضي، رغم حجب التحويلات إلى الخارج مع دخول البلاد في أزمة مالية”.

وجاء الكشف عن انخراط مصارف محلية في هذه العمليات المشبوهة بمثابة الصدمة الكبرى للأوساط الاقتصادية والشعبية، والتي تتوقع أن يكون حجم التحويلات أكبر مما أعلن عنه.

وأكد بيفاني، الذي استقال من منصب المدير العام لوزارة المالية اللبنانية قبل أسبوعين لفايننشال تايمز أن ما بين 5.5 مليار وستة مليارات دولار “جرى تهريبها خارج البلاد” من قبل “مصرفيين لا يسمحون للمودع بسحب 100 دولار”.

وأوضح أن هذا التقييم من واقع فهمه لبيانات القطاع المصرفي ومشاورات مع سلطة الرقابة المصرفية.

ولم يصدر تعليق حتى الآن من جمعية مصارف لبنان أو وزارة المالية. وسبق أن قال رئيس الجمعية إن “القيود المفروضة تستهدف صيانة ثروة لبنان”.

وفرضت البنوك قيودا صارمة منذ أواخر العام الماضي، عن صرف الأموال أو القيام بالتحويلات إلى الخارج بعد أن أدى انهيار مالي إلى شح في الدولار ودفع الأسعار إلى الارتفاع وأذكى الاضطرابات.

وقد تعرضت البنوك لانتقادات بسبب تجميد مدخرات الناس بعد استخدام ودائعهم لتمويل الدولة المثقلة بالديون.

وخرجت المصارف في أبريل الماضي عن صمتها وشنّت حملة لا سابق لها على السلطة وحذرتها في الوقت ذاته من العمل على تغيير طبيعة لبنان وتوجيه “ضربة قاضية” إلى الاقتصاد عن طريق السعي إلى “تأميم مقنّع”.

وكان بيفاني، الذي شغل منصبه الكبير بالوزارة لمدة 20 عاما، ثاني عضو يستقيل من فريق التفاوض اللبناني مع صندوق النقد. وقد حمل المصالح الخاصة مسؤولية تقويض خطة الإنقاذ الاقتصادي للحكومة، دون أن يذكر أسماء.

واتهم في المقابلة مع الصحيفة البريطانية السياسيين والمصرفيين اللبنانيين بمحاولة “الاستفادة من النظام دون تحمل أدنى خسارة” بينما يجعلون اللبنانيين يدفعون ثمن الانهيار.

وأكدت وحدة المدققين لدى هيئة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان المركزي في فبراير الماضي أن المركزي يحقق في تحويلات للخارج منذ اندلاع الاحتجاجات، ليواصل تحقيقا موسعا بعد انزلاق البلاد في أزمة مالية كبرى.

وتقيد البنوك الحصول على نقد أجنبي وتتحكم في التحويلات للخارج منذ اندلاع موجة احتجاجات مناهضة للحكومة في أكتوبر الماضي.

وتحولت الأزمة الاقتصادية، التي تختمر منذ فترة إلى أزمة مالية ومصرفية. ولكن هذه القيود لم تأخذ طابعا رسميا كقيود على تدفقات رأس المال.

وقالت اللجنة في بيان حينها إنها طلبت من البنوك حجم المبالغ وعدد الحسابات والعمليات التي حولت إلى الخارج.

وأوضحت أن هذا الموضوع قيد المتابعة من قبل وحدة المدققين والمحققين لدى هيئة التحقيق الخاصة التابعة للمصرف المركزي.

وطلبت النيابة العامة من الهيئة في مطلع يناير الماضي التواصل مع السلطات السويسرية للكشف عن حجم الأموال المحولة إلى هناك منذ اندلاع الأزمة وما إذا كان مصدر الأموال مثار شبهة.

واستنادا إلى ذلك طلبت الهيئة من جميع البنوك في لبنان مراجعة حسابات شخصيات سياسية ومسؤولين في القطاع العام قاموا بتحويلات منذ ذلك التاريخ وإلى نهاية 2019.

وتحولت البنوك في الأشهر الماضية إلى مكان للصراخ وإشكالات وصلت إلى حدّ الاشتباك بين الزبائن والموظفين.

وسعى المركزي منذ مطلع 2020 إلى تنظيم إجراءات مشددة تفرضها المصارف منذ أشهر على العمليات النقدية وحركة الأموال في خضم انهيار اقتصادي متسارع تشهده البلاد، واستمرار للأزمة السياسية.

وأثارت تلك القيود المزيد من غضب الشارع الذي شكلت السياسة المصرفية للدولة أحد الأسباب التي دفعته إلى التحرك ضد السلطة السياسية الحاكمة.

ويأتي الإعلان عن حجم الأموال التي حولتها المصارف بعد أيام من تعثر محادثات صندوق النقد التي بدأت في مايو الماضي بسبب خلاف بين الحكومة والبنك المركزي على حجم الخسائر في النظام المالي وكيفية توزيعها.

وقال أتاناسيوس أرفانيتيس نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي “من المهم جدا أن تتكاتف السلطات حول الخطة الحكومية. من جانبنا، نحن مستعدون للعمل سويا مع السلطات لتحسين الخطة إذا اقتضت الضرورة”.

المصدر: العرب اللندنية