مصارف لبنان تتمسك برفضها لتحمل فاتورة الانهيار المالي

جددت جمعية مصارف لبنان رفضها لخارطة طريق التعافي المالي والتي أقرتها حكومة تصريف الأعمال التي يقودها نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي باعتبارها تتضمن أوجه قصور تمس في أغلبها من حقوق المودعين.

ومن الواضح أن معركة تجسيد الحكومة لخطتها للحصول على دعم المانحين ستدخل منعطفا جديدا في ظل إصرار المصارف على ربط تنفيذها بحماية حقوق المودعين الذين سيتحملون بصيغتها الحالية الفاتورة الأكبر.

وقالت الجمعية في بيان نشرته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إن خطة الحكومة ستسفر عن “تحميل كامل الخسارة الناتجة عن هدر الأموال التي تتجاوز السبعين مليار دولار” الناجمة عن الانهيار الاقتصادي في البلاد على المودعين.

وموافقة الجمعية على الخطة ليست مطلوبة لكي تتبنى الحكومة الخطة وتبدأ بتنفيذها، لكن خبراء يقولون إن دعم القطاع المصرفي لها يمكن أن يساهم في حل الأزمة.

وتسعى الحكومة لإحياء نظام مصرفي يحتضر من خلال جعل المودعين يغطون أكثر من نصف الفجوة المالية، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني.

وكشفت خطة للتعافي المالي أقرها مجلس الوزراء الجمعة الماضي أن الحكومة ستلغي “جزءا كبيرا” من التزامات مصرف لبنان المركزي بالعملات الأجنبية تجاه البنوك التجارية وحل البنوك غير القابلة للاستمرار بحلول نهاية نوفمبر المقبل.

وتتضمن الخطة لسد فجوة ضخمة في النظام المالي إعادة 25 مليار دولار فقط من إجمالي 104 مليارات دولار من الودائع بالعملة الصعبة إلى المدخرين بالعملة الأميركية.

وبموجب الخطة، التي تحدد إطارا زمنيا مدته 15 عاما لسداد أموال جميع المودعين، سيتم تحويل معظم ما تبقى من الودائع إلى الليرة اللبنانية على عدة أسعار صرف، أحدها من شأنه أن يمحو 75 في المئة من قيمة بعض الودائع.

وحتى يتم تنفيذ الخطة فإنها تتطلب موافقة البرلمان الجديد عقب الانتخابات التي أجريت منتصف هذا الشهر. وفي حال رفضها فإن ذلك سيعرقل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وهذه إحدى الخطوات الإصلاحية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي الذي وافق مطلع أبريل الماضي على صرف قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار خلال أربع سنوات.

وظلت المصارف المحلية مقرضا رئيسيا للحكومة على مدار عقود، لكن هدر الأموال والفساد أديا إلى الأزمة الراهنة. ونتج عن الانهيار المالي حرمان المودعين من معظم مدخراتهم وفقدان العملة المحلية لأكثر من 90 في المئة من قيمتها.

وكانت الجمعية قد رفضت مسودة الخطة، والتي تنص على إلغاء “جزء كبير” من التزامات مصرف لبنان المركزي بالعملات الأجنبية تجاه المصارف التجارية وحل البنوك غير القابلة للاستمرار بحلول نهاية نوفمبر.

وقالت الجمعية التي لم تشارك في إعداد الخطة في إجابات مكتوبة لرويترز في مارس الماضي “تشير المسودة الافتراضية للخطة إلى أنها يمكن أن تقضي على ما يسمى ‘الخسائر’ من أجل موازنة الدفاتر”.

وأوضحت أن “هذا النهج هو نهج تصفية وسيؤدي إلى فقدان الثقة بشكل دائم على مدى أجيال مقبلة”.

وقال سليم صفير رئيس الجمعية في بيان حينها إنه “بافتراض أن مسودة الخطة التي تم تسريبها يمكن أن تعالج الأزمة المالية إلا أن الجمعية تتمسك بحماية حقوق المودعين في أي مسعى من الحكومة لحل المشكلة”.

وسبق أن عارضت الجمعية قرارا مشابها اتخذته الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب، والذي لم ير النور في نهاية المطاف بالنظر إلى السجالات السياسية التي تزامنت مع تتالي الأزمات وأهمها وباء كورونا وانفجار مرفأ بيروت.

ويرى خبراء البنك الدولي أن الأزمة المالية في لبنان والمدفوعة بالديون الضخمة والطريقة غير المستدامة التي تم تمويلها بها تسببت في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 58.1 في المئة منذ 2019 لينخفض إلى نحو 21.8 مليار دولار بنهاية العام الماضي.

وباعتباره واحدا من أكثر البلدان غير المتكافئة في ظل الفساد تم دفع الآلاف من اللبنانيين إلى براثن الفقر. ويقول البنك الدولي إن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفعت بواقع 28 نقطة مئوية بنهاية 2021، بعد زيادة قدرها 13 نقطة مئوية في 2020.

كما انهارت الإيرادات الحكومية بنحو النصف العام الماضي لتصل إلى 6.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أدنى نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن.

وتشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي الحقيقي قد انخفض بنسبة 10.5 في المئة العام الماضي، في حين أن إجمالي الدين قد وصل إلى 183 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة لم تتجاوزها سوى اليابان والسودان واليونان.

وبعد ماراثون من المناقشات الداخلية أعد لبنان برنامج إصلاح اقتصادي ومالي بمساعدة الصندوق ويهدف إلى تحفيز النمو وتوفير فرص عمل ووضع البلد على سكة التعافي والنهوض الاقتصادي.

ويُنظر إلى الاتفاق مع صندوق النقد على نطاق واسع على أنه أمر حيوي للبنان كي يشرع في الخروج من انهيار اقتصادي ومالي شل مناحي الحياة به منذ عام 2019.

ومع ذلك تساور الكثير من الخبراء شكوك في قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها خاصة وأن أمامها جبال من العراقيل التي تحتاج إلى إزالتها قبل الوصول إلى الهدف الذي لم يعد يفصلها الكثير حتى تصل إليه.

وقال المدير الإقليمي لدائرة المشرق بالبنك الدولي ساروج كومار جاه في وقت سابق هذا العام إن “الإنكار المتعمد أثناء الكساد المتعمد يخلق ندوبًا طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع”.

وأضاف أنه “على مدى عامين من الأزمة المالية، ما زال على لبنان تحديد مسار موثوق به نحو التعافي الاقتصادي والمالي، ناهيك عن الشروع فيه”.

ولا تزال أكثر من 100 مليار دولار محتجزة في البنوك اللبنانية، وتتزايد المعارك القضائية للوصول إلى أي أموال ما زالت باقية في النظام المصرفي.

ورفع اتحاد المودعين الذي يضم محامين ونشطاء حوالي 300 دعوى بالنيابة عن مدخرين في لبنان والخارج منذ 2019 تشمل قضايا طلب تحويل أموال وإعادة فتح حسابات مغلقة لكنه لم يتم البت لصالح المودعين سوى في 12 قضية فقط.

وقال فؤاد دبس الشريك المؤسس للاتحاد لوكالة رويترز في وقت سابق هذا العام إن “صغار المودعين هم الأشد تضررا”.

والشهر الماضي تعرضت الحكومة لانتكاسة في طريق تنفيذ إصلاحاتها بعدما رفض نواب البرلمان السابق بالإجماع عقد جلسة للنظر في مشروع قانون لمراقبة رأس المال (الكابيتل كونترول).

ويرمي مشروع القانون المثير للجدل إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية.