موازنة 2022 أبعد ما يكون عن الإصلاح المالي والضريبي

لا يختلف اثنان على عدم قدرة شرائح واسعة من المواطنين على تحمل أعباء ضريبية كبيرة بما فيها زيادة ما يسمى الدولار الجمركي، في زمن الإنهيار والتضخّم الذي سجّل تراكما بأكثر من 700% منذ بداية الازمة، لكن الحكومة لم تجد سبيلاً الى زيادة الايرادات ومحاربة الفساد والهدر في ظل المحاصصة المستشرسة والتي تنتج عجزاً عن الاصلاح وتقويضا لمسار استعادة الأموال المنهوبة والأخرى المهربة الى الخارج، بل ابقت على سياسة إلقاء الأعباء على “العبد الفقير” الذي خسر أمواله في المصارف وفقدان راتبه بالليرة 90% من قدرته الشرائية ويئن من العوز وقلة الدواء والعتمة…، في اقتصاد شهد انكماشاً بنسبة 50% في سنوات قليلة.

من المسلم به أنه في الدولة الحديثة لم تعد المالية العامة وسيلة لـتأمين تمويل وتسديد النفقات العامة فحسب، بل وسيلة للتدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتوجيهها، وتحقيق البرامج والوعود التي التزمتها السلطات السياسية أكانت تشريعية أو تنفيذية.

حتى أن تحقيق ما ذكرناه يتطلب كما أوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحماية المكلفين المحامي كريم ضاهر لـ”نداء الوطن”، أولاً، “اعتماد موازنة عصرية وشفافة وفعّالة تؤمن التنمية والنمو المستدامين لإنعاش الإقتصاد وتأمين إستثمارات وفرص عمل ورفاهية، إذ أضحى من المجدي إن لم يكن من الضروري إعطاء بعد جديد وآلية جديدة للموازنة العامة بغية إعادتها إلى مسارها الصحيح”.

ويتم اعتماد الآلية الجديدة للموازنة بطريقة تلبي طموحات المجتمع الدولي وتحديداً صندوق النقد الدولي، كما رأى ضاهر “إستناداً الى معيارين هما بمثابة عنوانين، الشفافية المالية، من جهة أولى، التي تستتبع تسهيل قراءة وفهم ومناقشة الحسابات العامة، ومشروع الموازنة على حدٍ سواء بغية مناقشتها بفعالية وموضوعية ومن ثم مراقبة التنفيذ، لا سيما تنفيذ الأهداف والبرامج الملازمة.

الى ذلك رأى انه “قد يكون من المجدي أيضا، لتفعيل الرقابة والسماح للمشرع بالاطلاع على مجمل النفقات والإعتمادات ومبرراتها وصوابيتها وأصوليتها وأولويتها ضمن رؤية شاملة، إستحداث موازنة مجمّعة موحّدة (شبيهة بالميزانية العامة الموحّدة في المؤسسات الخاصة) كأداة تقييم وتحليل في سياق درس وإقرار الموازنة العامة. ما يساعد على إستخلاص جدول واحد شامل بواردات الدولة الحقيقية الإجمالية وجدول آخر بنفقاتها الحقيقية، ويسمح بمعرفة مدى تأثير كل إجراء أو اعتماد أو برنامج، كما والتمييز بين النفقات الضرورية وغير الضرورية”.

كما من المجدي ايضاً، استناداً الى ضاهر، “بل من الواجب إعتماد سياسة ضريبية تحفز الإنتاج وتزيد العبء الضريبي على النشاطات التي لا تساهم في تأمين قيمة مضافة للإقتصاد أو إنتاجية أو تلك القطاعات التي إستفادت، من دون غيرها، من ظروف إستثنائية على غرار إنتشار وباء كورونا ونتائجه والأزمة المالية وإنفجار مرفأ بيروت… ناهيك عن رفع ملازم لنسبة الضريبة المترتبة على النشاطات المضرّة للبيئة والصحة (كسارات، تبغ، مقالع، إشغال الواجهات البحرية…). على أن يخصص بالمقابل في الموازنة باب خاص للإنفاق الإجتماعي الملحّ (البطاقة الطبية، ضمان البطالة، شبكة الأمان الإجتماعية…) وتحفيز خلق فرص عمل”.

كل الحلول الخاصة بتفعيل زيادة الايرادات من الضروري ان تقابلها آلية إصلاحية تضع حداً للهدر الذي نخر الدولة والقطاعات العامة بأكملها على مدى سنين طويلة، في ظلّ عدم وجود آلية صارمة وجدية وحقيقية لترشيد الإنفاق، وفق الإحتياجات وبعيداً عن الفساد والمحسوبيات.

يؤكد كريم ضاهر «ضرورة إعتماد إدارة واقعية وفعالة للسيولة (من خلال وحدة إدارة السيولة لدى وزارة المال) كجزء أساسي من إدارة الإنفاق العام بهدف عدم تخطي ما هو معتمد في الموازنة من حيث السيولة، وتفادي الإقتراض غير المتوقع أو التدابير الضريبية المفاجئة خلال السنة المالية ما من شأنه تعطيل السياسات المالية. وأخيراً من المستحسن تفعيل دور الأجهزة الرقابية وتوسيع نطاق مهامها وتأمين إستقلاليتها».