هل يصلح الانتظام المالي فـ”هيكلة المصارف” في دولة غابت فيها الإصلاحات؟!

أجهض الإجماع الوزاري على معارضة مشروع قانون “إعادة هيكلة المصارف والانتظام المالي” لما يعتريه من شوائب قانونية ودستورية ومالية، جلسة مجلس الوزراء التي كانت مخصّصة للمشروع نهاية الأسبوع الفائت، مع إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي انفتاحه على الملاحظات الموضوعة حياله…

ومنذ ما قبل تحديد موعد الجلسة إلى ما بعدها، لم يوجد لمشروع القانون مَن يتبنّاه، بل كان التخلي عن مسؤولية إعداده لسان حال المعنيين، وليس كلام نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الأخير سوى دليل إلى رمي الكرة في ملعب مصرف لبنان، إذ قال “بما أن المشروع أُعِدّ أصلاً من مصرف لبنان، فهناك ضرورة دعوة حاكم البنك المركزي إلى حضور الجلسة المخصّصة للمشروع لشرحه وللرّد على استفسارات الوزراء…”.

لكن ذلك يبقى ناقصاً، في ظل “تغييب” لجنة متخصّصة لصياغة مثل هذا المشروع!

هذا ما يجزم به مصدر مالي متابع عبر “المركزية”، مشدداً على أن “أي مشروع قانون يجب أن يُبصر النور من لجنة يتم تشكليها من متخصّصين لصياغته بشكل علمي ومنطقي كي يكون قابلاً للتنفيذ على نحو “لا يُقتَل الناطور ولا يفنى الغنم”… على أن تضمّ هذه اللجنة أقله، ممثلين عن الحكومة ومصرف لبنان والمصارف والهيئات الاقتصادية، للنظر في كل الوقائع والمعطيات على الأرض”، لكن وبحسب المصدر نفسه، “إذا تمت صياغة مشروع القانون من قِبَل مصرف لبنان وحده، فمن الطبيعي أن يعمد في ظل تطيير احتياطيه بسبب سياسة الدعم وغيرها، إلى تبرئة ذاته والنأي بنفسه عن أي مسؤولية في هذا الموضوع، ورمي كرة النار في ملعب المصارف! وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحكومة في حال تعرّضت لضغوط في هذا الملف فستحاول بطبيعة الحال، رمي المسؤولية على كاهل المصارف وحدها”.

في ضوء ذلك، يتساءل المصدر “كيف ستتمكّن المصارف إذاً من المساهمة في وضع مشروع القانون في ظل تغييبها واستبعادها عن صياغته؟!”، ويشير في السياق، إلى أن “الهيئة التي ستنظر في وضع المصارف تتألف من حاكم مصرف لبنان بالإنابة ونوابه وثلاثة خبراء يسمّونهم هم ويرفعون أسماءهم إلى مجلس الوزراء لتعيينهم، فتكون النتيجة أن الجهة نفسها هي التي تقرّر في موضوع إعادة هيكلة المصارف وبالتالي تكون قراراتها مُبرَمة. فهل ذلك منطقي من الناحية القانونية والدستورية والمالية وغيرها؟!”.

ويُضيف: الجدير التوقف عنده، أن المصارف ليست الوحيدة التي تستغرب هذا المشروع القانون، إنما غالبية الوزراء أيضاً، والدليل الأكبر على ذلك هو أن أحداً لا يقبل بتبنّي هذا المشروع!

لا يجوز الفصل بين إعادة الهيكلة والانتظام المالي..

وعن كلام أحد الخبراء الاقتصاديين عن أنه كان يجب الفصل بين “إعادة هيكلة المصارف” و”التعافي المالي”، يعارض المصدر هذا القول ويعتبره في غير مكانه، ويذكّر بأنهما “كانا أساساً مفصولَين، لكن في خلال اجتماعات لجنة المال والموازنة النيابية اشتُرِط جمعهما في مشروع قانون واحد، إذ لا يمكن البتّة إعادة هيكلة المصارف إن لم يتم إطلاع كل مصرف على وضعيّة إيداعاته لدى البنك المركزي، لأنه في حال تم استرجاع كامل إيداعات المصارف المودَعة في مصرف لبنان، لن يكون أي مصرف في حالة تعثّر. أما في حال إعلان شطب كل إيداعات المصارف في مصرف لبنان، فعندها لن يبقَ مصرف واحد! فكيف البدء بإعادة الهيكلة إن لم يسبقها الانتظام المالي لتحديد مسؤولية كل من الدولة ومصرف لبنان؟!… وإلا نكون كمَن “يضع العربة أمام الحصان”!”.

… “طالما أن الأزمة نظامية بامتياز، حيث لا تزال الدولة كـ”السلة المثقوبة” في ظل غياب الإصلاحات اللازمة المطلوبة، لا يمكن للدولة ومصرف لبنان التهرّب ورمي كامل المسؤولية على المصارف. هذا أمر مفروغ منه” يختم المصدر.