وقائع من مفاوضات تسوية «الاعتماد المصرفي»

تقول مصادر معنية، إن أزمة الاعتماد المصرفي قابلة للمعالجة إذا قدّم رئيس مجلس الإدارة – المدير العام، طارق خليفة، التزاماً واضحاً بتأمين الفجوة المالية (الخسائر) في المصرف، والتي تُقدّر بنحو 309 ملايين دولار (دولار مصرفي أو ما يساوي 33 مليون دولار فريش). وحتى الآن، ما زالت المفاوضات قائمة مع محامي خليفة، مارك حبقة، من أجل التوصّل إلى صيغة تعكس جديّة لدى خليفة وسائر المساهمين تُترجم إلى مشروع تسوية توافق عليه الهيئة المصرفية العليا. فالصيغ السابقة التي تعهّد بها خليفة، لم تكن تتوافق مع حجم الخسائر، إذ لم يتعهد خليفة بضخّ أكثر من ثلث المبلغ المطلوب.حتى الآن، لم يتم التوصّل إلى اتفاق. فالمعلومات تشير إلى أنّ خليفة سيقدّم عرضاً جديداً الأسبوع المقبل بعدما رفضت الهيئة المصرفية العليا عرضين منه لا يلبّيان شروط التسوية القائمة على تغطية كامل قيمة الخسائر. وبحسب المعلومات الواردة من مصادر قضائية، فإن خليفة سيقدّم العرض عبر وكيله مارك حبقة على أساس أن يسدّد هو وحده، فور الاتفاق على التسوية، 10 مليون دولار نقداً في المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية التي تمتدّ بين 10 أشهر و12 شهراً سيضخّ 23 مليون دولار نقداً. وقد وافق خليفة على تأمين هذه الأموال من خارج عقارات المصرف ومن خارج أي شركات تتبع له. وهذه الصيغة ما زالت شفهية ويفترض أن تتحوّل إلى عرض رسمي بحلول الأسبوع المقبل.

وكان عرض خليفة الأول أن يضخّ 3 ملايين دولار «فريش»، ثم رفعه إلى 10 ملايين دولار «فريش» مضافاً إليها عقارات، ثم استبدلها بشركة يملكها مع مساهمين آخرين يفترض أن لديها سيولة بقيمة 725 مليار ليرة. لكن تبيّن للجنة الرقابة على المصارف أن العقارات التي يعرض خليفة إيداعها ضمن رأس المال هي ضمن ملكية المصرف، أي إنها تُحتسب ضمن حساب رأس المال الذي يسجّل خسارة بقيمة 309 ملايين دولار. أصلاً هذه العقارات مسجّلة ضمن موجودات المصرف ورأس ماله المتهالك، لذا لا يمكن إدخالها في أي تسوية. كما تبيّن أن الشركة التي يزعم أن فيها 725 مليار ليرة، هي مملوكة منه ومن سائر المساهمين وقد وضع في حسابها مبلغ الـ725 مليار ليرة من أجل زيادة رأس مال المصرف، إلا أنه لأسباب مختلفة لم تحصل هذه الزيادة بينما أُنفقت هذه الأموال ولم تعد موجودة إلا في دفاتر الشركة التي باتت قيمتها تساوي صفراً. لكن إحجام، أو تمهّل طارق خليفة في ضخّ الأموال، لا يرتبط بقيمة ما يفترض ضخّه، بل في أن الخلاف واقع بينه وبين سائر المساهمين، بشأن المسؤولية المترتّبة على كل طرف فيهم. خليفة يحاول الضغط على سائر المساهمين ليتحمّلوا معه مسؤولية الخسائر ليساهموا معه في ضخّ الرساميل في شرايين المصرف، بينما هم يرون أنه هو المسؤول عن هذه الفجوة وأن هذا الأمر ثابت في التحقيقات التي أجريت في لجنة الرقابة على المصارف وعُرضت على الهيئة المصرفية العليا ثم توسّعت بعد تعيين بعاصيري مديراً مؤقتاً على المصرف.

فمنذ تعيين بعاصيري، برز اتجاهان في هذا الملف:
– أولهما، أن خليفة مسؤول عن خسائر هائلة في المصرف توازي 10% من مجمل ودائعه البالغة 2.9 مليار دولار (80% من هذه الودائع بالعملة الأجنبية)، وهذه الخسائر تتجاوز قيمة أمواله الخاصة التي بلغت في عام 2020 نحو 277 مليون دولار (من ضمنها عقارات) وفي عام 2020 وحده سجّل المصرف خسارة بقيمة 102 مليون دولار. واللافت أن القسم الأكبر من الخسائر التي تراكمت وأكلت رأس المال، لم تتحقق بسبب الانهيار المصرفي إنما كان السبب الرئيسي اختلاس الأموال. فما توصّلت إليه لجنة الرقابة ثم المدير المؤقت، أن الشبهات تدور حول تحويل مبلغ 70 مليون دولار إلى الخارج لإقراضه عبر فرع البنك في أرمينيا، لكن سرعان ما تبيّن أنه دين هالك. كذلك تبيّن أن هناك عمولات مسحوبة من المصرف بأسماء أشخاص وشركات يشتبه في أن لديهم علاقة عضوية بخليفة، وقد جرى تحصيل هذه العمولات بطرق مشبوهة لحسابات خاصة كما تبيّن أن هناك اقتراضاً للأشخاص ذوي الصلة ومن بينهم خليفة، بشكل مقنّع عبر شركات لا تظهر أسماؤهم فيها مباشرة. وهناك الكثير من المخالفات التي بنتيجتها يتبيّن أن الخسائر قُدّرت حتى الآن بنحو 309 ملايين دولار (دولار مصرفي)، علماً أن التدقيق لم ينته بعد.

رغم كل هذه الشبهات ومعرفة المساهمين فيها، إلا أن أياً منهم لم يرفع دعوى سوء إدارة بعد ضدّ خليفة. وهو الأمر الذي يستعمله الأخير من أجل الضغط على سائر المساهمين ليشاركوا في ضخّ الرساميل في بنية الأموال الخاصة للمصرف، وبالتالي لا يزال مصرف لبنان ينظر من وجهة نظر قانونية إلى المساهمين ككتلة واحدة، أي إنه من دون ادعاءات فإن المطلوب من المساهمين ضخّ رأس المال، إلا إذ بدأت التحقيقات الجارية في النيابة العامة التمييزية تأخذ مجرى مختلفاً في اتجاه الادعاء على المتورطين في تراكم الخسائر بجرائم الاختلاس وسواها، وعندها فقط تصبح معالجة الملف على مسار مختلف في ما يتعلق بضخّ السيولة.

– ثانيهما، أن خليفة، وعلى إثر وضع اليد على المصرف الذي يرأس مجلس إدارته، وتعيين بعاصيري مديراً مؤقتاً، حاول الترويج بأن هذه الخطوة من مصرف لبنان أتت في سياق تمييزي ضدّه، وعلى هذا الأساس قدّم شكوى شفهية للبطريركية تتمحور حول «أسلَمَة» المصرف على يد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري وآخرين معه مثل بعاصيري وسليم الخليل. وفي الواقع، نجح خليفة، بشكل جزئي، في إثارة هذا الموضوع إلى الدرجة التي دفعت عدداً كبيراً من رجال السلطة والنفوذ المسيحيين، للتوسّط لدى منصوري من أجل ثنيه عن هذه الخطوة والضغط عليه للتراجع عنها. إلا أن منصوري كانت لديه إجابة واضحة، وهي أنه لا يهتم بالهوية الطائفية لملكية المصرف وبأن الملف الذي أحيل إلى النائب العام التمييزي يظهر بوضوح حصول «اختلاسات»، أدّت إلى خسائر هائلة يتطلّب ردمها من خلال ضخّ الرساميل «الفريش» في شرايين المصرف للحفاظ على أموال المودعين الذين تصل نسبة المسيحيين بينهم إلى 90%.