انتقلت الخطوات التصعيدية لموظّفي الإدارة العامة من الإضراب لبضعة أيام إلى الإضراب لشهر كامل، وهو القرار الذي اتّخذته الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة، إذ أعلنت الإضراب بدءاً من يوم الإثنين 3 تموز حتى 31 منه. وذلك اعتراضاً على عدم تحقيق أي جديد بمواقف الحكومة “المصرة على سحق موظفي الإدارة العامة وإبادتهم، إن بالانقضاض على كامل حقوقهم أو بإغراقهم بدولرة الرسوم والضرائب وأسعار خدمات المرافق العامة والخاصة، وسلبهم وعائلاتهم أدنى مقومات الحياة”.
والتصعيد الذي يعني الانتقال إلى خطوة أكثر إيلاماً، لن يتوقّف عند دفع الرواتب والمستحقات، فالمطالب أبعد من ذلك، وفق ما يقوله الموظّفون. فإلى أين ستصل هذه القضية؟
الزيادات بلا قيمة
تتأخّر عملية تحويل الرواتب والمستحقات والزيادات المقرّة للموظفين بفعل عدم إقرار موازنة العام 2023. فيما القاعدة الإثنية عشرية تعرقل تسريع الإقرار بسبب الحاجة لفتح الاعتمادات بتشريع من مجلس النواب، وهو ما حصل مطلع شهر حزيران الماضي، حين أعلنت وزارة المالية عدم قدرتها على تحويل رواتب شهر حزيران بسبب عدم فتح الاعتمادات المالية. سُوِّيَ الأمر وأقرّت الاعتمادات، لكن المشكلة بقيت في القيمة الشرائية للرواتب.
فقدان القيمة هي جزء من الأزمة، يضاف إليها “وجوب إقرار الرواتب وفق سعر صيرفة مناسب، فضلاً عن زيادة ليترات البنزين لكل موظّف إلى 10 ليترات يومياً، إلى جانب ضمّ الزيادات الحالية إلى أساس الراتب لتدخل في احتساب المعاش التقاعدي”، وفق ما يقوله عضو الهيئة الإدارية في رابطة موظفي الإدارة العامة إبراهيم نحّال، الذي يؤكّد لـ”المدن” أن هذه المطالب “لا يمكن التراجع عنها”.
ويستغرب نحّال كيف تتعاطى الدولة مع الموظفين. فهي تستخدمهم “حجّة لزيادة الرسوم على المواطنين، ولا تزيد رواتبهم بقيمة حقيقية”. ولا يأتي ذلك من فراغ أو سوء تدبير، بل هي “إجراءات مقصودة لتدمير القطاع العام وضرب الموظفين. فمتوسّط الرواتب تراجع من نحو 210 دولار شهرياً إلى نحو 153 دولار، والراتب التقاعدي لا يتجاوز 150 دولار، مع أنه جرى زيادة الرسوم ودولرتها بحجّة تأمين رواتب موظفي القطاع العام”.
مرحلة جديدة والقرار كبير
قرار الإضراب لمدة شهر، سيليه تجديد لشهر أو أشهر إضافية، فالإضراب لمدة أسبوع بات من الماضي. ومع ذلك “يدنا ممدودة للتفاوض، لكنّها ليست مكسورة، ونحن قادرون على التحرُّك”، يقول نحّال. على أن التفاوض يجب أن يُثمر تصحيحاً للخلل في الإدارة العامة لا فقط تصحيح الرواتب والأجور. إذ أن “70 بالمئة من المراكز شاغرة، وبعض المدراء يشغلون مراكزهم بالإنابة والتكليف”.
هذا القرار التصعيدي “قرارٌ كبير”. ويدرك الموظّفون محاذيره وإلى أين يمكن أن يؤدّي، خصوصاً وأن إقفال الإدارة العامة يعني الإضرار بمصالح المواطنين “ولذلك هو إضراب تحذيري للسلطة، مفاده الإسراع في إيجاد حل وعدم المماطلة وتضييع الوقت”.
بالتوازي، تطالب الهيئة الإدارية الدولة بالذهاب نحو “الأملاك العامة، البحرية والنهرية والبرية، للحصول على إيرادات لتأمين الرواتب والمستحقات، بدل رفع الرسوم على المواطنين والتذرّع بالقطاع العام”. ومن مصادر التمويل المقترحة “تحميل المسؤولية للمتسبّبين بالصفقات والسمسرات في السدود والمطار والكهرباء والهندسات المالية. فمن سرق المال العام عليه أن يُحاسَب ويدفع ما أخذه”.
رُفِعَ السقف لكن “الأفق مسدود”. فاستمرار الإضراب يعني وقف تسيير المعاملات الرسمية ومن ضمنها مسار دفع الرواتب في وزارة المالية. ولذلك، فإن الدخول في إضرابات شهرية، يعني إنهاء ما تبقّى من قطاع عام.. بانتظار الحلول الجزئية.