أرباح ذهبيّة في المركزي: نصف مليار خلال نصف شهر

نشر مصرف لبنان الثلاثاء ميزانيّته النصف الشهريّة، التي تعرض وضعيّة المصرف الماليّة كما في نهاية شهر آب الماضي، مقارنة بمنتصف الشهر. خلال النصف الثاني من شهر آب، لم يحقّق المصرف المركزي أي زيادة في حجم احتياطات العملات الأجنبيّة الموجودة لديه. بل على العكس تمامًا، شهدت هذه الاحتياطات انخفاضًا طفيفًا.

غير أنّ المكاسب الكبرى برزت في بند احتياطات الذهب، الذي حقّق ارتفاعًا كبيرًا، مدفوعًا بالزيادة في أسعار الذهب العالميّة خلال الفترة نفسها. وكما هو متوقّع، شهدت الخسائر المدوّنة في الميزانيّة انخفاضًا بالقيمة نفسها، ما سيؤثّر حكمًا على حسابات “توزيع الخسائر” المتراكمة في القطاع المصرفي.

التغيّر في الموجودات

تشير الميزانيّات إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب، الموجودة في مصرف لبنان، سجّلت ارتفاعًا من مستوى 30.97 مليار دولار أميركي، في نصف شهر آب الماضي، إلى قرابة 31.47 مليار دولار أميركي خلال نهاية الشهر. وبهذا الشكل، يكون مصرف لبنان قد سجّل ربحًا دفتريًا قيمته 499 مليون دولار أميركي، خلال فترة نصف شهر. ومن المعلوم أنّ هذه التغيّرات في قيمة بند الذهب تطرأ كل نصف شهر، بفعل إعادة احتساب قيمة هذه الاحتياطات، في ضوء أسعار الذهب العالميّة. وبهذا الشكل، تكون هذه الأرباح انعكاسًا لزيادة مشابهة -من حيث النسبة- في أسعار الذهب العالميّة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قيمة هذا البند كانت تقارب 13.96 مليار دولار أميركي في تشرين الأوّل 2019، أي قبيل حصول الأزمة الماليّة. وهذا ما يعني أنّ مصرف لبنان حقّق خلال سنوات الأزمة ربحًا بقيمة 17.51 مليار دولار أميركي، جرّاء الزيادات في قيمة هذا البند، في وقتٍ كان استنزاف احتياطات العملات الأجنبيّة يفاقم من حجم الخسائر المتراكمة في الميزانيّة.

في موجودات مصرف لبنان أيضًا، سجّلت احتياطات العملات الأجنبيّة تراجعًا محدودًا من 11.69 مليار دولار أميركي في منتصف شهر آب، إلى نحو 11.67 مليار دولار في نهاية الشهر نفسه. وهذا ما يشير إلى استنزاف ضئيل في حجم هذه الاحتياطات، بقيمة 20 مليون دولار أميركي، خلال النصف الثاني من الشهر.

ومع ذلك، يبقى من المهم التنويه إلى أنّ قيمة الاحتياطات الإجماليّة ما زالت أعلى بقرابة 2.91 مليار دولار أميركي، مقارنة بمستوى هذه الاحتياطات عند مغادرة رياض سلامة لمنصبه في بداية آب 2023. وهذا الفارق نتج عن عمليّات مصرف لبنان في السوق الموازية، التي تمكنت من امتصاص الدولارات وشرائها.

في كل الحالات، تُظهر الميزانيّة أنّ حجم الخسائر الإجماليّة المتراكمة في مصرف لبنان تقلّصت بقيمة 507 مليون دولار أميركي، بسبب الارتفاع المُحقق في قيمة الموجودات. ومن المفترض أن يدخل هذا الانخفاض في الحسابات المتعلّقة بالخسائر، عند تطبيق قانون الانتظام المالي، الذي يفترض أن تناقشه الحكومة خلال الشهر الحالي.

بنود المطلوبات

من الجهة الأخرى من الميزانيّة، سجّل مصرف لبنان انخفاضًا في قيمة النقد المتداول في السوق بالليرة اللبنانيّة. إذ تراجع حجم هذه السيولة من 74.4 ترليون ليرة لبنانيّة إلى نحو 72.86 ترليون ليرة لبنانيّة، ما عكس هبوطًا بقيمة 1.55 ترليون ليرة لبنانيّة. وبشكلٍ عام، يمكن القول أنّ حجم السيولة المتداولة بالليرة بات يمثّل قيمة ضئيلة، مقارنة بحجم الاحتياطات المتوفّرة لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبيّة. فحجم السيولة المتداولة بالعملة المحليّة لا يتجاوز حدود 814 مليون دولار أميركي، عند احتساب قيمته بالدولار وفق سعر الصرف الرائج. وهذا الواقع، يسهم في تمكين مصرف لبنان من ضبط سعر صرف العملة المحليّة عند مستوياته الراهنة.

في المقابل، سجّلت ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان ارتفاعًا من 7.84 مليار دولار أميركي في منتصف شهر آب، إلى نحو 7.86 مليار دولار أميركي في نهاية الشهر نفسه، ما يعني أن الدولة راكمت 16.62 مليون دولار من الإيرادات العامّة التي لم يتم استخدامها. وهذا النمط، يأتي تطبيقًا للسياسة المتفق عليها بين المصرف المركزي ووزارة الماليّة، القائمة على التقشّف الحاد، الذي يصل إلى حد الامتناع عن استخدام جزء من الحاصلات الضريبيّة. وهذه السياسة، هي ما سمح لمصرف لبنان بامتصاص الليرات من السوق، ومن ثم استخدام جزء منها لشراء الدولارات وزيادة الاحتياطات.

في النتيجة، ما زالت جميع هذه الأرقام تعبّر عن التحوّلات الظرفيّة التي تطرأ على بنود الميزانيّة بين شهر وآخر. إلا أنّ الميزانيّة بأسرها ما زالت مُثقلة بكتلة ضخمة من الخسائر، التي تمنع المصرف المركزي من لعب دوره الطبيعي، كحجر أساس للقطاع المالي. خارطة الطريق للخروج من هذا الواقع، يفترض أن يرسمها قانون الانتظام المالي، الذي سيضع آليّات التعامل مع هذه الخسائر، لتعود الملاءة والسيولة إلى ميزانيّة مصرف لبنان، ثم إلى ميزانيّات القطاع المصرفي بأسره.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةموازنة 2026… إعفاء جديد للمعتدين على الأملاك البحرية
المقالة القادمةأين أرقام المالية العامة!؟.. سؤال للخبراء برسم وزارة المال