من عجائب مسودة مشروع قانون موازنة 2024، التقديرات المتفاوتة وغير المنطقية لحجم الايرادات التي تتوقع الحكومة جبايتها في 2023 و2024، خصوصا ايرادات رسوم الجمارك على الاستيراد.
في مشروع الموازنة، تحدد تقديرات وزارة المالية، ايرادات رسوم الجمارك على الاستيراد للسنة المالية 2023 بنحو 12 تريليون ليرة أي ما يعادل 133 مليون دولار على سعر صرف الـ90 الف ليرة المفترض ان تعتمده موازنة 2023 لجباية ايرادات الدولة. وتقدّر ايرادات العام 2024 لرسوم الجمارك على الاستيراد بـنحو 13.3 تريليون ليرة أي ما يعادل 148 مليون دولار، وذلك انطلاقا من ارقام الايرادات المحصلة في العام 2021 والتي بلغت 483,5 تريليون ليرة أي ما يعادل 322 مليون دولار على سعر صرف الـ1500 ليرة.
225 مليوناً في 6 أشهر
لكن المفارقة في تلك التقديرات تكمن لدى مقارنتها بارقام الايرادات المحصلة في 2023، حيث تجاوزت قيمة رسوم الجمارك على الاستيراد في الأشهر الستة الأولى من عام 2023 الـ 225 مليون دولار وفق ما كشفه مدير عام الجمارك خلال احد اجتماعات لجنة الاقتصاد، وذلك على الرغم من تحصيل ايرادات الشهرين الأولين من العام على سعر صرف يبلغ حوالى 15 ألف ليرة لبنانية لكل دولار أميركي، وايرادات الشهرين التاليين على سعر صرف عند حوالي 40 ألف ليرة، وقد تم تحصيل ايرادات الشهرين الأخيرين فقط من تلك الفترة على سعر صرف 90 ألف ليرة لبنانية لكل دولار أميركي.
وبالتالي، يفترض انه مع اعتماد سعر صرف موحد ضمن موازنتي 2023 و2024 عند 90 الف ليرة لجباية الايرادات، ان تكون تقديرات الايرادات أكبر من المحصّلة فعلياً في الاشهر الستة الاولى من العام 2023 (225 مليون دولار)، وليس نصفها (133 مليون دولار)!
الحاج: جمعنا معلومات تؤكد أن التهرب الجمركي 80%
في هذا الاطار، اعتبر النائب رازي الحاج ان الارقام التي صرّح عنها مدير عام الجمارك لاجمالي الرسوم الجمركية على الاستيراد في الاشهر الستة الاولى من 2023 هي ارقام لا تعكس الارقام الواقعية التي يجب ان تكون أكثر بكثير، «نظراً لكافة المعلومات والمعطيات التي جمعناها عن ملف المرفأ والتي اظهرت ان التهرب الجمركي يصل الى 80%». كاشفاً لـ»نداء الوطن» عن تجارة ناشطة في المرفأ حالياً هي كناية عن مخلّصين جمركيين يعملون door to door ويقومون بتخليص الحاويات والبضائع لصالح التجار، بكلفة مقطوعة تبلغ حوالى 5000 آلاف دولار للحاوية الواحدة (per container ) بغض النظر عن نوعية او قيمة البضائع داخل الحاوية، إن كانت تبلغ 100 الف دولار او مليون دولار! وتخضع تلك التجارة لمنافسة ومضاربات بالاسعار بين المخلّصين الذين يخفضون كلفة تخليص البضائع الى 4500 و4000 دولار للحاوية الواحدة.
بحاجة لتشريح
واشار الحاج الى ان أرقام الموازنة تحتاج جميعها الى تشريح وبحث مفصّل، علماً «اننا رفضنا مناقشة موازنة 2023 لانها لا تراعي المهل الدستورية وأتت من دون قطع حساب»، عازيا التقديرات المخفّضة للايرادات في مشروع موازنتي 2023 و2024 الى سعي الحكومة لغطية نفقاتها التي هي اكبر بكثير من الارقام الواردة في الموازنة، وبالتالي «قد يكون السعي الى تغطية النفقات لاحقاً من الايرادات الفائضة عن الارقام المعقّدة بالموازنة». وشدد الحاج على ضرورة إتمام عملية قطع الحساب لتحديد الحجم الفعلي للنفقات والايرادات.
أبي نصر: يجب أن تراوح بين 600 و900 مليون دولار
من جهته، اعتبر عضو جميعة الصناعيين بول أبي نصر ان تقديرات ايرادات رسوم الجمارك على الاستيراد يجب ان تبلغ حوالى 600 مليون دولار لعام 2023 وحوالى 900 مليون دولار لعام 2024، «إذا اردنا اعتماد المسار التقليدي لتحصيل الرسوم في لبنان والذي يحتسب اجمالي قيمة الرسوم الجمركية المحصّلة بنسبة 5 في المئة من حجم الاستيراد (5% من 18 مليار دولار)، علما ان النسبة يجب ان تتراوح بين 9 و14% في حال تمت مكافحة عمليات التهرب الضريبي والاحتيال».
كما كشف أبي نصر لـ»نداء الوطن» ان التقديرات المنطقية والطبيعية يجب أيضا ان تكون أكثر من 600 مليون للعام 2023 و900 مليون دولار للعام 2024، «إذا أضفنا الايرادات المحصّلة من ضريبة الاستهلاك البالغة 3% والمضافة عام 2018 والمودعة في حساب ضمان لدى مصرف لبنان ولا يمكن استخدامها إلا بعد صدور قرار بحسم الأمر.
يفترض أن الموازنة غير عاجزة
وسأل أبي نصر: لماذا تم تقدير ايرادات رسوم الجمارك على الاستيراد في موازنتي 2023 و2024 بارقام أقلّ بشكل كبير؟ لماذا تمّ اعداد موازنة بعجز يبلغ 15% استناداً إلى افتراضات خاطئة؟ ومن ثم محاولة سد الفجوة بأسلوب لا يبعث على الثقة؟
وقال: أبلغت الحكومة وفد صندوق النقد الدولي عندما أبدى ملاحظاته على عجز الموازنة، انها ستغطي هذا العجز ولكن لم تشرح كيف؟ علما انه إذا اعتمدنا الارقام الصحيحة والمنطقية لحجم الرسوم الجمركية على الاستيراد والتي يجب ان تقدر بـ900 مليون دولار، لا يكون هناك عجز في الموازنة بل فائض! لان عجز الموازنة وفق تقديرات الحكومة يبلغ 450 مليون دولار، في حين ان تقديراتها لايرادات الرسوم الجمركية تبلغ 133 مليون دولار، ولكنها فعليا يجب ان تكون بين 600 و900 مليون دولار، وبالتالي يمكنها ان تغطي عجز الموازنة!
وتساءل: هل هذه التقديرات المخفّضة تنطوي على نيّة او خطة مبطنة للاستفادة من هذا الوضع والضغط من أجل فرض المزيد من الضرائب على القطاع الخاص، وجباية إيرادات إضافية لتمويل زيادات على رواتب القطاع العام (التي غالباً ما ترتبط بالمحسوبية السياسية)؟