حركة التصدير والاستيراد بحراً من لبنان وإليه لا تزال مستمرة، رغم الاضطرابات التي تشهدها الملاحة في البحر الأحمر بعد قرار حركة أنصار الله استهداف السفن الإسرائيلية وتلك المتّجهة إلى موانئ العدوّ، ولكن مع «خربطة» في المواعيد. غير أن زيادة أسعار بوالص التأمين بسبب ارتفاع المخاطر الأمنية، تشير إلى بوادر أزمة تصريف إنتاج في الأفق، وخصوصاً في القطاع الزراعي، وإلى ارتفاع في أسعار السلع المستوردة.وبعد عزوف أربع شركات شحن عالمية (Maersk line وMSC وCosco وHapag Lloyd) من أصل خمس عن إرسال بواخرها إلى لبنان، تواصل شركة CMA CGM الفرنسية وحدها حمل صادرات لبنان ووارداته عبر البحر الأحمر. لكن «المخاطرة» دفعت الشركة إلى رفع رسوم التأمين بنسبة 100% في الشحنة الأولى التي انطلقت بعد بدء استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل، قبل أن تخفضها إلى 50%، مع وعود بتخفيضها إلى 30%، على أن تتحدّد البدلات أسبوعياً بحسب الظروف الأمنية. ويوضح رئيس «تجمع المزارعين والفلاحين» إبراهيم ترشيشي أنّ «إيجار شحن الحاوية قبل 7 تشرين الأول الماضي كان يبلغ 2600 دولار». اليوم، يتكبد التجار «1050 دولاراً إضافياً على بدل إيجار الحاوية، وتصل كلفة شحن الطن الواحد إلى 35 دولاراً»، بحسب رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة زحلة والبقاع طوني طعمة.
يلفت طعمة إلى أنه عندما أعلنت شركة Maersk line الدنماركية مطلع هذا الشهر وقف الشحن عبر البحر الأحمر وقناة السويس «حتى إشعار آخر»، كانت إحدى سفنها تنقل بضائع لبنانية إلى الإمارات العربية، فغيّرت مسارها لتدور حول إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح «ما يعني أنّ الشحنة التي كان مقرراً وصولها خلال 11 يوماً باتت تستغرق شهرين، ما يضاعف أجرة الحاويات التي تحدد عادة بعدما ترسو الباخرة في مرفأ الوصول، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل يضرّ بالمنافسة في الأسواق الخارجية».
حتى الآن، «الأزمة نائمة ولم نشعر بالسخن. إذ ليست هناك بضائع مكدسة في السوق المحلية لأنه ليس هناك إنتاج زراعي كبير للتصدير في هذا الوقت من السنة». لكنّ أزمة المزارعين ستتكشّف بدءاً من أيار المقبل، وتظهر بوضوح عندما يصل التصدير إلى ذروته بين تموز وتشرين الثاني». لذلك تثير فرضية استمرار الحرب قلق المزارعين الذين يعتمدون على الأسواق الخارجية لتصريف إنتاجهم، ولا سيما التفاح والموز والعنب والبطاطا، و«التي لا يمكن للسوق المحلية استيعابها، إذ نصدّر 70% من محصول التفاح، وحوالي 43% من محصول البطاطا»، وفق ترشيشي. وتزيد المخاوف من «كارثة تكدّس المنتجات الزراعية اللبنانية وخسارة المواسم» بسبب «العقبة السعودية» أمام وصول المنتجات اللبنانية براً إلى قطر والإمارات والبحرين والكويت، وعدم وجود أيّ بوادر على نية السعوديين فتح أسواقهم أمام المنتجات اللبنانية، أو أمام وصولها إلى الأسواق الخليجية.
وعلى خط الاستيراد، يرجّح طعمة أن الاستقرار النسبي في أسعار السلع المستوردة في الأسواق المحلية يعود إلى «أننا لا نزال نستهلك السلع المخزنة والمستوردة قبل اندلاع الحرب. وعندما نستهلك الأرز بسمتي والبهارات المستوردة حديثاً من الصين والهند مثلاً، سنلحظ ارتفاعا في أسعارها».
الأمن الغذائي الزراعي «بأمان»
يؤكد رئيس «تجمع المزارعين والفلاحين» إبراهيم ترشيشي أنه بعد أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب في غزة وجنوب لبنان، «لا خطر على الأمن الغذائي الزراعي». فحتى الآن، لا تزال الكميات المطلوبة من الخضر والفواكه، بمختلف الأصناف، متوفرة في الأسواق من دون أي ارتفاع يذكر في الأسعار، إلى جانب الكميات المخزنة في البرادات. وباستثناء المزارعين في الأراضي المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، لا يزال المزارع اللبناني في الشمال والبقاع والجنوب يمارس نشاطه الزراعي كالمعتاد ويحضّر للمواسم الجديدة، و«لا تزال 90% من الحمضيات مصدرها الجنوب، كذلك الأمر بالنسبة إلى الموز الأخضر الجنوبي».
مصادر في وزارة الزراعة أكدت من جهتها عدم وجود نقص في المنتجات الزراعية «لعدم تأثر الناتج المحلي ولكون باب الاستيراد مفتوحاً». وعليه، لم تتبدّل أسعار الخضر والفواكه في السوق المحلية جراء الحرب، وفق المكتب الفني لسياسة الأسعار في وزارة الاقتصاد والتجارة. ففي 23 تشرين الأول الماضي مثلاً، بعد أسبوعين على الحرب، تراجع المعدل العام لأسعار الخضر الطازجة بنسبة 1% عمّا كان عليه في الأسبوع الذي سبق، فيما ارتفع معدل أسعار الفواكه بنسبة 5%. وبعد 3 أشهر على الحرب، يبلغ معدل سعر كيلو البطاطا 58 ألف ليرة في مقابل 54 ألفاً في منتصف تشرين الأول الماضي.