سواء للسلك القضائي او للقطاع العام لن تلبي اي زيادة على الرواتب او اي محاولة في سبيل تحسين الظروف المعيشية طموح الموظف في القطاع العام او تسدّ احتياجات قاض. ايا تكن المبالغ المطروحة فهي حكماً لن تبلغ الحد المطلوب الذي يؤمن مستوى معيشياً لا بأس به لدى الجهتين.
السلك القضائي الذي يعيش اسوأ ايامه او اسوأ عهوده على الاطلاق بات أسير الازمات الواحدة تلو الاخرى نتيجة غياب القرار والقاء السياسة بمظلتها على كل كبيرة وصغيرة فيه وتبعية غالبية القضاة للسياسيين بمن فيهم اولياء الامر ومن كانت بيدهم القرارات المصيرية. البلد اسير قضاء عاجز والقضاة اسرى وضحية تدهور الوضع الاقتصادي. منذ فترة يعيش القضاة على وعد بتحسين أوضاعهم بعدما اسدل الستار على الاقتراح الرامي الى صرف رواتبهم على اساس سعر صرف ثمانية آلاف ليرة من المصارف. أحرج الاقتراح المصارف جراء الهجوم الذي تعرض له القضاة الذين يعانون من جملة ما يعانيه موظفو الادارة العامة في لبنان على اختلاف فئاتهم. واذا كان القطاع العام يعاني الاهمال منذ أمد بعيد فإن ما ليس معلوماً بعد هو قدرة القضاء على الاستمرار بالمحافظة على جيل الشباب من بين القضاة وعلى الاشخاص من ذوي الكفاءة والذين يعول عليهم في الاصلاح ويشكلون حلقة فريدة وغير مرتهنة لأي جهة سياسية. ويبدو ان السلطة السياسية او الدولة بمفهومها الحالي أعجز من أن تكون قادرة على الحفاظ على السلطة القضائية في ظل انهيار القطاع العام بالشكل الحاصل.
الازمة في القضاء تبدأ من الوضع اللوجستي المنهار وفقدان القرطاسية من العدليات فضلاً عن الرواتب التي فقدت 95 بالمئة من قيمتها من دون وجود اي امل بتحسينها، وعدم وجود خطة ورؤية اقتصادية للسلطة السياسية للحفاظ على فئة القضاة الشباب ممن يشكلون نسبة 60 بالمئة من السلك تتراوح اعمارهم بين 25 و40 سنة. هذا بذاته يعد مؤشراً من مؤشرات الانحلال العام.
ينذر استمرار الازمة بمغادرة عدد كبير من القضاة ليس بهدف العمل في الخارج حصراً وانما للتعاقد مع القطاع الخاص الذي بدأ وفق بعض الشواهد استقطاب عدد من الاسماء اللامعة في القضاء، في سياق حركة نزوح داخلية باتجاه مكاتب المحاماة أو التعليم أو التعاقد مع NGO,S. ومن سيغادر هم القضاة الذين نأوا بأنفسهم عن التركيبة السياسية اي الفئة الأهم وهناك اتصالات مكثفة تجرى مع قضاة لعقد اتفاقيات معهم على هذا النحو.
لا يزال القضاة يعيشون على أمل تحسين أوضاع رواتبهم بعدما جعل مجلس القضاء الموضوع رهن رئيس الحكومة. في حين أسقط اقتراح تقاضي القضاة رواتبهم على اساس سعر صرف 8000 ليرة نتيجة الازمة التي تسبب بها في القطاع العام فتلقف صندوق التعاضد الموضوع وأخذ على عاتقه العمل على تقديم مساعدات معينة للقضاة لم تتوضح آلياتها بعد، وبموازاة السلفة التي منحتها الدولة للاساتذة في الجامعة اللبنانية فان مساعدة مماثلة ستمنح للقضاة من خلال دعم صندوق التعاضد ولو ان الارقام المتوقعة او الزيادات المرتقبة لن تكون كبيرة حسب توقعات القضاة ولا تفي بالغرض وهي ستأتي على شاكلة منح. مصادر قضائية مقربة تؤكد ان لا شيء نهائياً يمكن البناء عليه لغاية اليوم فيما لم يسجل اي تحرك للمسؤولين في صندوق التعاضد على مستوى التحسينات المادية، والموضوع لا يزال أسير الدردشات والاحتمالات المتداولة، فيما الأمل بالتحسين المرجو ضئيل لدى القضاء لان الراتب لن يتجاوز عتبة الألف دولار ما لا يؤمن مستوى معيشياً يتناسب والتضخم المالي الحاصل. القضاء في أزمة كما البلد. والمعالجات لأمور القضاء بعيدة المنال وسط غياب الدولة بمفهومها المفترض إذ يصحّ فيها قول الشاعر: «لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً / ولكن لا حياة لمن تنادي».