تعتبر معضلة القطاع الكهربائي في لبنان احد ابرز الازمات التي تسلط الضوء على التخبّط اللبناني في معالجة اكثر الملفات اهمية، وتقصير الدولة اللبنانية تجاه تقديم خدمات لمواطنيها والاقتصاد. فعلى رغم من اهمية تأمين التيار الكهربائي لحياة اللبنانيين والايجابيات التي يحملها للقطاعات الاقتصادية ولا سيما القطاع الصناعي، لا يزال الفشل عنواناً دائماً لأي حلول تواكب هذا الملف.
تتمثل خطورة ازمة الكهرباء في لبنان بإنعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية البالغة، اذ ان تقديرات السلطات الرسمية تفيد بأن الخزينة العامة انفقت اكثر من 10 مليارات دولار في السنوات الـ 15 الماضية، لإعادة تجهيز البنية التحتية للقطاع، وتمويل عجز مؤسسة الكهرباء التي تعود ملكيتها للدولة بالكامل.
وتكمن الكارثة في ان “هذا الانفاق لم يؤد الى معالجة الازمة حيث لا يحصل المواطنون والمؤسسات على تغذية كهربائية مستقرة، كما ان معدّل التغذية يقل عن 15 ساعة يوميا في معظم المناطق، ما عدا العاصمة التي تحصل على تغذية بمعدّل 21 ساعة يوميا”.
الكهرباء .. ازمة ما بعد الحرب
اكثر ما يلفت في هذا الملف، ان اللبنانيين لم يعانوا من أزمة كهرباء قبل الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 وكانت مؤسسة كهرباء لبنان تؤمن التيار الكهربائي 24 ساعة في اليوم وكان القطاع الكهربائي منتجاً ومربحاً لخزينة الدولة. الا انه بعد الحرب الأهلية أي منذ عام 1992، دخلت السياسة الى القطاع واودت به الى الهاوية بعد ان تفشّى الفساد في زواياه، فحرمت في آن واحد الخزينة من مداخله والمواطنين من خدماته.
ويرجع الكثيرون عدم النهوض بالقطاع حتى هذه اللحظة الى الصراعات السياسية الدائمة التي حالت دون تنفيذ خطة وطنية شاملة للقطاع، كما يعتبر البعض ان سياسة السلطة على مر السنوات اضعفت مؤسسة كهرباء لبنان، حيث لم تولِ الاهتمام اللازم لها ولا سيما العناية اللازمة بالكادر البشري. كما اعاقت اعمال الصيانة الضرورية للمعامل ، ما خفّض قدرة المؤسسة على تحسين الإنتاج، وتأمين ساعات التغذية للازمة.
خطط مجهولة المصير
في الواقع، جرى طرح خطط عديدة كحل انقاذي لأزمة الكهرباء، الا ان مصيرها بقي مجهولاً على الدوام نتيجة تجاذبات بين الفرقاء السياسيين او خلافات على مسائل تقنية تفصيلية. ففي مطلع التسعينات، وضع الوزير جورج افرام خطط انقاذية لإضاءة لبنان 24/24 ، وفي عام 2002 وضعت حكومة الشهيد رفيق الحريري القانون 462 لتخفيض فاتورة الكهرباء بتلزيم الانتاج وبناء المعامل والتوسيع للقطاع الخاص وخصخصة مؤسسة كهرباء لبنان وتعيين هيئة ناظمة للقطاع، الا ان هذا القانون لم يطبق منه الا تلزيم التوزيع لشركات مقدمي الخدمات. وفي العام 2017 قدم وزير الطاقة في حكومة العهد الاولى سيزار ابي خليل خطة باسيل محدثة، التي كان مصيرها كسابقاتها اذ شهدت خلافات، في حين لم يتسنَ للحكومة التي ذهبت للانتخابات ان تطبقها.
وكأسلافها، اجتهدت اليوم وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني في وضع خطة لإصلاح قطاع الكهرباء هدفت بالدرجة الاولى الى تخفيف العجز المالي وتحسين الخدمات. الا ان مشكلة قطاع الكهرباء ليست في ايجاد خطة او اقرارها، انها مشكلة لبنان الوطن، مشكلة الخلافات السياسية التي ان لم تستثنِ هذه المرة خطة الكهرباء الجديدة، سيتجه لبنان وقطاعه الكهربائي نحو الاسوأ، اذ لا يخفى على القاصي والداني الاستنزاف الذي تحدثه ازمة قطاع الكهرباء في موزانة الدولة، استنزاف لا يؤددي الا الى مزيد من الاستنزاف، اذ لا ينفق على حلول او معالجات، فالاحزاب اللبنانية استسهلت تحميل الحكومة تكلفة العجز في القطاع على الرغم من قساوة تداعياته على الصعيد الاقتصادي، فأزمة القطاع ادت إلى خفض النمو الإقتصادي بنسبة واحد في المئة سنوياً بحسب البنك الدولي.