تتزاحم الأزمات التي تؤدي جميعها إلى الانهيار. صامت السلطة لأسابيع، ثم نطقت كفراً. الحل الذي خرجت به لأزمة البنزين، لم يؤد سوى إلى رفع السعر. أما الزحمة والانتظارات الطويلة على المحطات، فلا تزال قائمة وتشكل معاناة للآلاف، وسط تزايد سيطرة السوق السوداء، التي لا يُعفى أحد من المسؤولية عنها، من الشركات إلى الموزعين إلى المحطات… وحكماً المستهلكين، الذين ولد بينهم بائعو الغالونات. سعر الصفيحة تخطى في السوق السوداء الـ200 ألف ليرة، وهو ما يعني، إذا استمر الشح في البنزين، انتفاء الغاية من التهريب، طالما أن السعر في لبنان لم يعد بعيداً عن السعر في سوريا.
إضافة إلى طوابير البنزين، بدأ أصحاب الأفران يحذرون من طوابير الخبز. وحتى بعدما زادوا الأسعار وقلّصوا وزن الربطة، صاروا يحذرون من إمكانية توقف المخابز عن العمل. حجتهم أنهم لا يجدون المازوت الكافي لتشغيلها.
المستشفيات، بدأت تحذر من التوقف عن العمل أيضاً، بسبب فقدان المازوت. نقيب أصحاب المستشفيات طالب بإعطاء الأولوية لها، داعياً أيضاً إلى تخصيص المستشفيات بدعم المازوت على سعر 1500 ليرة.
وفيما تحولت الأدوية إلى أثر بعد عين، بدأت مظاهر التضامن الاجتماعي تنتج مبادرات لشراء الأدوية من الخارج لمن يحتاجها، لكنها مبادرات لا يمكن أن تعوض النقص الهائل، والذي يطاول أدوية لا يمكن الاستغناء عنها، مثل أدوية الأمراض المزمنة. المشكلة أنه مقابل المبادرات المحدودة، بدأت تظهر مؤشرات إلى دخول صيادلة على خط البيع في السوق السوداء. ومن بوابة السعي إلى مساعدة المريض الذي لا يجد دواءه، صار بعض الصيادلة يعرض تأمين هذا الدواء أو ذاك بأسعار مضاعفة وبالدولار، بحجة أنها مستوردة. كل ذلك، يضاف إلى أزمة الكهرباء المستمرة. القطاع انهار تماماً. وحتى في بيروت بالكاد تصل الكهرباء إلى المنازل لساعتين يومياً. أما المولدات، فإن كان بعضها لا يزال قادراً على تعويض الفارق، إلا أن أغلبها بدأ تقنيناً قاسياً لعدم توافر المازوت ولعدم قدرة المولدات على تحمّل الضغط.
وحتى المعلومات التي تشير إلى أن مصرف لبنان سيفتح اعتماد باخرة الفيول المتوقفة في مرفأ بيروت منذ 28 حزيران الماضي، فإن ذلك لن يكون سوى تأكيد أن الانهيار لا يعالج بالمفرق. جل ما سيحصل هو زيادة 150 ميغاواط إلى الإنتاج بما يعني بالكاد زيادة ساعة على التغذية. ,فيما الناس لم تعد قادرة حتى على إحصاء أزماتها، التي تأتي البطاقة التمويلية لتلعب دور المخدّر فيها، علّها تشفع في تأخير الانفجار الاجتماعي. ولما أصدر مجلس النواب القانون، وترك آليات التنفيذ للجنة حكومية، فقد دعا الرئيس حسان دياب وزراء المالية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد إلى جلسة تعقد لهذه الغاية، علماً أنه صار معلوماً أن معايير الحصول على البطاقة ستؤدي إلى استثناء غالبية الشعب اللبناني، فيما كانت الغاية منها قبلاً، على ما اقترح حاكم مصرف لبنان، أن تكون حقاً لكل اللبنانيين، بما يؤدي تلقائياً إلى استثناء اللاجئين السوريين والفلسطينيين، بحجة أنهم يستفيدون من برامج دعم أخرى. ومع افتراض أن نحو 20 في المئة من اللبنانيين لن يتقدموا إلى البطاقة، تكون النتيجة حصول ثلثي اللبنانيين على بطاقة هي، للتذكير، ليست مخصصة للأكثر فقراً، بل هدفها تعويض الارتفاع الهائل في الأسعار، بعد تخلي مصرف لبنان عن تمويل الاستيراد على السعر الرسمي. بما يعني بالتالي، أن البطاقة ليست دعماً بمفهوم الدعم الاجتماعي، بل هي خطوة تريد منها السلطة النقدية وقف تسرّب الدولارات، بعدما كانت هي نفسها تصر على دعم المحتكرين وكبار التجار والمهرّبين، فيما تحجب هذا الدعم عن القطاع العام على سبيل المثال.