يتجه بنك البركة لدرس جدوى تقديم دعوى ضد مصرف لبنان وجهات أخرى مثل الهيئة المصرفية العليا. وذلك بعدما اقدم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على توقيع حل مجلس ادارة البنك وتعيين مدير موقت لادارته، بحجة مخالفة تطبيق عدد من التعاميم. وهناك مشاورات على هذا الصعيد بين بنك البركة وعدد من المستثمرين الخليجيين في القطاع المصرفي. وسألت مصادر متابعة عما اذا كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد ارتكب خطأ كبيراً بالتعرض لبنك خليجي، وعما اذا كان ذلك مناسباً في هذه الظروف التي يمر بها لبنان مصرفياً نتيجة اخطاء مردها الاول والاخير الى مصرف لبنان نفسه قبل اي طرف آخر.
واكدت مصادر مصرفية ان صلية التعاميم التي أطلقها البنك المركزي منذ بداية الإنهيار، بدأت بالتساقط على رؤوس بعض المصارف بشكل استنسابي. فالمصرف الذي تصيبه يخرج من السوق من دون حتى أن “يحفظ ماء وجهه” بإعادة الهيكلة المنتظرة، ومن تخطئه يستمر بالعمل كـ”زومبي بنك” إلى أمد غير منظور بعد.
التعميم 154
على سبيل المثال هناك التعميم 154 الصادر عن مصرف لبنان بتاريخ 27 آب 2020، تحت عنوان : التدابير الاستثنائية لإحياء عمل البنوك العاملة في لبنان. ففي التعميم مادة اشكالية لم تطبق من قبل اي مصرف وتنص على حث (أي الطلب بالمونة!) من قام بالتحويل إلى الخارج أكثر من 500 ألف دولار، بين 1 تموز 2017 وآب 2020، على إيداع 15% من المبلغ في “حساب خاص” لمدة 5 سنوات اذا تعلق الأمر بالزبائن، و30% اذا تعلق بتحويلات رؤساء واعضاء مجالس ادارات المصارف وكبار المساهمين فيها والادارات التنفيذية العليا وعملاء المصارف من الاشخاص المعرضين سياسياً. مما سبق لم يتحقق شيء يذكر، فلماذا لا يتحرك سلامة والهيئة المصرفية العليا للحث على تطبيق رد تلك التحويلات التي تشكل بداية حل لقضية الودائع برأي كثيرين ؟
الى ذلك هناك في التعميم ما يلي:
– إنشاء حساب أجنبي خالٍ من أي التزامات لدى البنوك المراسلة في الخارج. على أن لا يقل هذا الحساب في أي وقت عن 3% من إجمالي الودائع بالعملات الأجنبية .
– إعادة بناء و/ أو زيادة رأس مال المصرف، حسب الحاجة، خلال الربع الأول من العام 2021 ، وبمجرد امتثاله لكافة الإجراءات القانونية المعمول بها.
– اتخاذ الإجراءات القانونية والتنظيمية اللازمة لإعطاء المودعين إمكانية توافقية لتحويل ودائعهم إلى أسهم رأسمالية و/ أو إلى “سندات دائمة قابلة للاسترداد والتداول وقابلة للتحويل” والتي قد تمنح لأصحابها، اعتماداً على البنك المصدر. (الرغبة الوقائية)
فتشوا عن التعميم 158
غني عن القول أنه من غير المؤكد مدى التزام المصارف الواحد والستين (بحسب العدد المنشورعلى موقع جمعية المصارف)، بتطبيق الشروط “الاختيارية”، والجبرية في هذا التعميم. إلا أنه من المرجح جداً أن المصارف، التي تستنسب في تطبيق التعاميم الأبسط مثل التعاميم 158 و161 و151 وقانون الدولار هي التي تزعج مصرف لبنان.
هذا ما يقودنا إلى الاستنتاج الثاني، بان القصة ليست قصة “رمانة” إعادة الهيكلة وتنظيم العمل المصرفي، إنما قلوب مليانة من عدم تطبيق التعميم 158 تحديداً (إعطاء المودعين 400 دولار نقداً و400 دولار على سعر 12 ألف ليرة). وهذا ما أكده الكتاب الذي أعلم فيه مصرف لبنان بنك البركة، بحل مجلس إدارته وتعيين وصي عليه. حيث شدد في متنه على عدم التزام المصرف المذكور بالتعاميم 44 و154 و94، ولا سيما التعميم 158. فبنك البركة وبحسب شهادات المتعاملين معه لم يطبق التعميم الأخير. الأمر الذي يفاقم من شكاوى المودعين وتأففهم ويحرج الحاكم أمام هؤلاء.
الضبابية في التعامل
وعليه فان “تأديب” البنك المركزي للمصارف المخالفة لا يرتبط بالحرص على إعادة تكوين رساميلها، وزيادة ملاءتها بالعملة الاجنبية، وأخذ الاحتياطات المطلوبة، إنما لتخفيف الضغوط عليه. والدلائل على ذلك:
– إن مصرف لبنان لم ينشر لغاية اللحظة نتائج إعادة رسملة المصارف، مع العلم بسماحه بتكوينها بمختلف الادوات الرأسمالية. أي أنه لم يشترط زيادتها بشكل حصري بالنقد الصعب.
– لم يعترف لغاية اللحظة بخسائره بدليل عدم طلبه من المصارف أخذ مؤونات على شهادت الايداع لديه المقدرة بـ 86 مليار دولار، بأكثر من 2%، في حين طلب تشكيل مؤونات على سندات “اليورو بوندز” التي تحملها المصارف (مقدرة حالياً بحدود 8 مليارات دولار) بنسبة 45%. تلك السندات كانت قيمتها الاسمية قبل الازمة نحو 15 ملياراً ثم حصلت منها بيوعات واتخذ مقابل الباقي مؤونات بنسبة معينة .
– معرفته أن قيمة الودائع الاجنبية المكونة في المصارف المراسلة تقل عن نسبة 3% المطلوبة، وأن المصارف تحتسب الاموال الطازجة (حسابات الفريش دولار) من ضمنها.
خلاصة القول أن حاكم مصرف لبنان، متخفياً وراء قرارات تصدر عن الهيئة المصرفية العليا، يريد تمضية الوقت المتبقي من عمر ولايته التي تنتهي في تموز القادم من دون اي مشاكل تذكر على صعيد تطبيق التعاميم الخاصة بالسحوبات. ولا يعبأ كثيرأ بالتعاميم الخاصة باعادة الهيكلة، لأن ذلك بات مرتبطاً بمشروع قانون اعده بالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف، وينتظر ان تقره الحكومة لتحيله الى مجلس النواب. لكن ذلك متعذر حالياً بحكم الفراغ الرئاسي وعمل الحكومة في تصريف الاعمال في اضيق الحدود.
رد صاعق
في المقابل يصر بنك البركة على ان مصرف لبنان اصل المشكلة باحتجازه 80% من الودائع لديه ويمنع البنوك من الوصول اليها. وان اعادة الهيكلة الشاملة هي بيت القصيد المطلوب الوصول اليه وليس اي تعاميم مرحلية تكتيكية اخرى .
وأكد بنك البركة في بيان رفضه تفسير مصرف لبنان للوضع في ظل فشله في تقديم خطة إعادة هيكلة ذات مصداقية وشاملة للقطاع المصرفي، مع مراعاة مصالح جميع الأطراف المعنية. كما ألقى المصرف باللائمة على “المركزي” لجهة عدم توفير الوصول إلى الأصول التي وضعها “البركة” مع المصارف الأخرى لدى مصرف لبنان، مما سيمكّن من استئناف الأنشطة المصرفية العادية.