“شو بدو ياكل الفقير بهالبلد”، عبارة تتكرر على لسان “المسمّرين” مكانهم أمام رفوف المتاجر. فـ”إذا استغنينا عن اللحوم بسبب أسعارها المرتفعة، فإن أسعار الخضار والفاكهة “شاعلة فيها النار” تقول سيدة خمسينية بقهر. والاسعار ترتفع ولا تعاود الانخفاض. المواطن يقف مندهشاً أمام هذا الغلاء، حيث أصبحت المنتجات الزراعية ترفاً لدى معظم العائلات اللبنانية، وباتوا يشترونها “بالحبة”. فما هو سبب الارتفاع المتواصل في أسعار الخضار والفاكهة؟
مثل البورصة وأسعار الذهب، تتقلب أسعار الخضار والفاكهة، لتضيف هماً جديداً على هموم المواطنين المكتوين بلهيب الأزمة الاقتصادية الخانقة. جولة سريعة على بعض المحلات، كفيلة بإظهار تحليق أسعار الخضار والفاكهة من دون أي رادع، فعلى سبيل المثال: كيلو البندورة يباع بـ 48 ألف ليرة، الخيار بـ 30 ألف ليرة لبنانية، اللوبياء بـ 68 ألف ليرة، ناهيك بالفليفلة التي وصل سعرها الى 65 ألف ليرة. وعند السؤال عن سبب ارتفاعها، يتحججون بسعر المازوت وكلفة النقل وغلاء الدولار، من دون أي اسس منطقية تفسّر هذا الغلاء الفاحش. ومن يقع ضحية هذا الفلتان؟ طبعاً المواطن اللبناني.
ارتفاع الأسعار مرتبط بعدة عوامل
“هناك عدة عوامل تدخل في صلب ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة، وفي طليعتها الزيادة المستمرة في كلفة الانتاج”، يقول رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك، “منها: أكلاف المستلزمات الزراعية والبذور والاسمدة، وأدوية الرش ومكافحة الحشرات… وصولاً الى أسعار المحروقات. هذا بالاضافة الى الارتفاع في كلفة اليد العاملة. وما أدى ايضاً الى الارتفاع في الاسعار هو تراجع الانتاج الزراعي هذا العام الى النصف، بعدما عجز العدد الأكبر من المزارعين عن زرع المواسم بسبب تفاقم أزمة الدولار وغلاء المازوت، ما أدى الى توسّع أراضي البور وانخفاض العرض في الاسواق اللبنانية. يضاف إلى هذه العوامل بحسب الحويك “موجة الصقيع التي قضت على نصف الإنتاج الزراعي”. وبما أن لبنان لا يتمتع بالاكتفاء الذاتي، فإن غياب البدائل للبضائع اللبنانية يؤدي أيضاً الى ارتفاع في الاسعار”. ويشير الحويك الى أن “الازمة الاقتصادية في سوريا أدت الى تراجع الاستيراد، فكان من المفترض استيراد بعض السلع من سوريا كالبندورة والباذنجان حيث تكون أسعارها متدنية مقارنة مع الانتاج المحلي، ما يفسر أيضاً ارتفاع الأسعار”.
سبب آخر لارتفاع الاسعار يضيفه عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عمران فخري يتمثل في الفلتان. فـ”غياب الرقابة على الأسعار يؤدي الى تفاوتها، حيث يتجاوز سعر المفرق نسبة 30 بالمئة من سعر الجملة، وهذا يعني إذا كان السعر 20 ألف ليرة بالجملة، فيتم بيع السلعة بـ 30 الف ليرة في الدكاكين”.
إنعاش القطاع يحتاج الى “قرار سياسي”
“منذ 40 سنة، لا يوجد أي توجّه من قبل الدولة للعناية بالقطاع الزراعي وتأمين الدعم اللازم له”، يقول فخري، فـ”موازنة وزارة الزراعة لا تتجاوز الـ1 بالمئة من الموازنة العامة. وهناك خطط كثيرة مطروحة لتنمية القطاع الزراعي، ولكنها تحتاج لقرار سياسي، وهو غير موجود لدى كل الحكومات المتعاقبة ولا أظن أن هناك نيّة. خصوصاً بعد اتفاق الطائف، حيث تم استبعاد القطاع الزراعي وتوجه الاهتمام الى القطاع المصرفي وقطاع السياحة والخدمات، مع العلم أننا على مشارف تأسيس “اقتصاد جديد” ولا يجب أن تقل حصة القطاع الزراعي، كقطاع انتاجي وتصديري، عن الـ 25 الى 30 بالمئة من الاقتصاد اللبناني، جنباً الى جنب مع الصناعة، ومن بعدها نتكلم عن القطاعات الباقية”.
مصير القطاع
في حال بقاء الوضع على ما هو عليه اليوم، يتوقع الحويك “المزيد من الارتفاع في الأسعار مع قدوم فصل الصيف مقارنة بالسنة الماضية. خاصة إذا بقيت كمية الانتاج قليلة وأسعار المحروقات مرتفعة. الامر الذي يدفع بأزمة الغذاء المنتجة محلياً إلى التفاقم يوماً بعد يوم. فمن جهة يعتبر سعر كيلو البندورة اليوم المقدر اليوم بـ 28 ألفاً (سعر الجملة) وكذلك الكوسى بـ 25 ألفاً والباذنجان بـ 20 الفاً، أمر غير طبيعي في هذا الشهر من السنة. ومن جهة أخرى تباع بعض الحمضيات (الاكي دنيا مثلا) تحت كلفتها، ما سينعكس سلباً على امكانية اهتمام المزارع بأرضه. لذلك على الدولة أن تفسح المجال أمام المزارع وأن تدعمه بطريقة مباشرة، لا سيما كبار المزارعين الذين يمتلكون كميات كبيرة من الانتاج، خاصةً بعدما حجزت المصارف على أموالهم، وأصبح الدفع كاش شرطاً اساسياً”.
“لا شك أن القطاع الزراعي يساهم في نهوض بلدٕ بأكملة، يقول فخري، فـ”هناك حوالى 45 بالمئة من السكان يعيشون من خيراته، من الملاكين والعاملين والمستثمرين، الى سائقي الشاحنات والبرادات، اضافة الى الشرائح التي تستفيد منه بطريقة غير مباشرة، كالشركات التجارية والمؤسسات الزراعية”. وفي ظل غياب الإصلاحات وعدم اهتمام الدولة بملف القطاع الزراعي، ستزداد الخسائر وستلقي بأعداد متزايدة من السكان في البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي.