بدأت أسعار الشقق السكنية تشهد تحسناً خجولاً نسبته 10% في العام 2023 بالمقارنة مع العام السابق، خصوصاً أن المالكين العقاريين وجدوا أنفسهم في موضع تفاوضي أفضل بعد تسديد ديونهم للمصارف، ولم يعودوا مضطرين لبيع وحداتهم السكنية بشروط بخسة. ويبدو ايضا أنّ انتعاش القطاع السياحي في لبنان هذا العام وتوافد أعداد كبيرة من المغتربين شكّلا دعماً نسبياً للقطاع العقاري.
وصدر عن بنك عوده تقرير جديد حول «القطاع العقاري في لبنان» أشار فيه إلى أن العام 2022 شكّل نقطة تحوّل بالنسبة للطلب نتيجة تسعير المبيعات العقارية بشكل كامل بالدولار النقدي وتوقف البائعين عن قبول الشيكات المصرفية كوسيلة للدفع، وفي ظل التراجع اللافت في سعر صرف الليرة مقابل الدولار. من هنا، تقلّص عدد الشراة المحتملين بشكل ملحوظ داخل السوق العقاري، ما نتج عنه ركود في الطلب. ونتيجة الدولرة النقدية للمبيعات، شهد العام 2022 تقلصاً سنوياً في قيمة المبيعات العقارية نسبته 7.7%، والذي من المتوقع أن يكون قد امتد على وتيرة أبرز في العام 2023.
وأورد التقرير من ناحية العرض «انه لا يزال يهيمن مناخ الركود على القطاع العقاري في لبنان منذ اندلاع الأزمة في العام 2019. ونتيجة تغيّر طرق الدفع، وتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وارتفاع أسعار المواد الأولية بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، وغياب رافعة التمويل، ظل عدد قليل من المشاريع الإنشائية قائماً ومحصوراً في تلك المشاريع التي تمّ إطلاقها قبل العام 2019.
وهذا ما أدى إلى توقف حركة المشاريع الانشائية بشكل عام، وغياب نسبي للمشاريع المستقبلية. في هذا السياق، أظهرت آخر الأرقام الصادرة عن نقابة المهندسين في بيروت انخفاضاً سنوياً في رخص البناء بنسبة 57.8% خلال النصف الأول من العام 2023، إذ تراجعت من 4730280 متراً مربعاً في النصف الأول من العام 2022 إلى 1994718 متراً مربعاً في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.
بينما لبنان يرزح تحت أزمة مالية ونقدية غير مسبوقة امتدت لنحو أربع سنوات، ولما كان أغلب المالكين العقاريين قد سدّدوا ديونهم المصرفية، تحوّل القطاع العقاري إلى التسعير بالدولار النقدي، حيث بات البائعون يطالبون إما بالتسديد نقداً أو عبر التحويل من الخارج. هذا وانخفضت أسعار الوحدات السكنية بنسبة تراكمية تقدّر بـ30% إلى 60% بالدولار النقدي منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019، وذلك بحسب قرب المنطقة من العاصمة والقوة الشرائية لكل منطقة. ويعزى هذ التراجع التراكمي إلى :
(1) الانخفاض اللافت في سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية والذي أدى إلى إضعاف القدرة الشرائية؛
(2) غياب المستثمرين العرب عن السوق العقاري في لبنان؛
(3) الفراغ الدستوري والمؤسساتي المتمادي والمتعدد الأوجه الذي يشهده لبنان؛
(4) وغياب رافعة التمويل.
وأضاف التقرير: في نظرة استشرافية أن المتطلبات الرئيسية لإرساء سيناريو إيجابي على المستوى الاقتصادي الكلي وبالتالي في القطاع العقاري تتمحور حول انتقال سلس للسلطة في حاكمية مصرف لبنان، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن، وتشكيل حكومة فعالة وذات مصداقية، والمصادقة على برنامج شامل مع صندوق النقد الدولي والحصول على الدعم المالي المرجوّ من صندوق النقد والدول المانحة والمؤسسات الدولية. في حال سبر لبنان هذا الطريق، يمكن تحقيق نمو اقتصادي يقارب الـ10%، وتأمين استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وضبط التضخم، وتحوّل ميزان المدفوعات نحو الفائض، وتعزيز احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي، وبالتالي تسجيل زيادات في أسعار العقارات.
في الوقت الراهن، يبدو أنّ انتعاش القطاع السياحي في لبنان هذا العام وتوافد أعداد كبيرة من المغتربين شكّلا دعماً نسبياً للقطاع العقاري، إلا أنّ هذا الدعم يبقى محدوداً بالمقارنة مع التقلص اللافت الذي شهده القطاع العقاري منذ اندلاع الأزمة في العام 2019. ولكي يستعيد القطاع العقاري وضعه الذي كان عليه قبل الأزمة، ينبغي أن تظهر استثمارات بأحجام لافتة، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع حتى الآن. فالمستثمرون لا يزالون يترقّبون تحسناً في الآفاق السياسية والاقتصادية في لبنان، من شأنها أن تخفّض المخاطر الاستثمارية وتحمي استثماراتهم العقارية في المدى المتوسط والطويل الأجل.