من قبل أن تحلّ أزمة «كورونا» ضيفاً ثقيلاً على الفلسطينيين عموماً والغزيين خصوصاً، أعلنت إدارة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، في قطاع غزة، أنها تستطيع تقديم «الخدمات الأساسية» حتى نهاية الشهر الجاري، لكنها قد تلجأ إلى «قرارات صعبة» أكثر من إجراءات سابقة اتخذتها، وشملت تجميد برنامج الطوارئ والمشاريع وحزمة تقليصات على صعيد الخدمات كان لغزة النصيب الأوفر منها، نظراً إلى حصتها الكبرى في الموازنة العامة. وبخلاف التقليصات المتواصلة في قطاعي التعليم والصحة، تقرر أخيراً تحويل رواتب المياومين في مناطق «الأونروا» كافة خاصة إلى مجالات «أكثر أهمية»، وتحديداً مواجهة الآثار الناجمة عن «كورونا»، في وقت تقول فيه الوكالة إن رواتب موظفيها المقدر عددهم بـ33 ألفاً متوافرة حتى نهاية أيار/مايو المقبل فقط. وفق المعلومات، وصل العجز المالي إلى مليار و65 مليون دولار من أصل مليار و400 مليون، هي إجمالي الموازنة العامة المقرة لـ2020، لتكون هذه الأزمة هي «الأصعب» على الوكالة الدولية منذ إنشائها عام 1949.
يقول المتحدث باسم «الأونروا» في الشرق الأوسط، سامي مشعشع، لـ«الأخبار»، إنه لم يصل سوى «ربع المبلغ المرصود للميزانية رغم اقترابنا من منتصف العام». لكن مدير العمليات في غزة، ماتياس شمالي، ذكر أن الدول المانحة تعهدت بتقديم 400 مليون ستغطي المصروفات كافة حتى نهاية الشهر المقبل فقط. وأول من أمس، عُقد لقاء ثلاثي جمع المفوض العام لـ«الأونروا»، السويسري فيليب لازاريني، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ووزيرة خارجية السويد آن ليند، لبحث الأزمة الكبيرة. والأردن والسويد تلعبان دوراً محورياً في حشد الموارد المالية، إذ يوضح مشعشع أن اللقاء نتج عنه «تكثيف العمل لحشد الأموال، سواء في تغطية الميزانية السنوية المخصصة لتقديم الخدمات الأساسية والطارئة إلى أكثر من خمسة ملايين لاجئ، أو لمعالجة تداعيات تفشي كورونا في مناطق عملنا».
بلغ العجز هذه السنة ملياراً و65 مليون دولار من أصل 1.4 مليار
هذه الأزمة انعكست أيضاً على احتياجات اللاجئين خارج فلسطين؛ فمثلاً على صعيد الفلسطينيين في سوريا، توفر «الأونروا» حالياً 20% من احتياجاتهم فقط، أي بمعدل دولارين يومياً للعائلة الواحدة. أما في لبنان، فتنقل مصادر أنه وصل دعم جزئي يخص مكافحة الوباء قدره خمسة ملايين دولار للتوزيع النقدي، «لكن المبلغ مجمّد من جراء رفض الفصائل الفلسطينية انتقائية التوزيع، ولذلك يُنتظر الحصول على مليونين إضافيين لتغطية الجميع». وعامة تريد «الأونروا» 14 مليوناً بصورة عاجلة لمواجهة الوباء، فيما أقرّ مشعشع باضطرارهم إلى إعادة تدوير بعض الميزانيات، لأن الدعم المقدم من أجل «كورونا» حتى الآن نسبته 50%من المطلوب. وقد يكون هذا هو السبب في غياب أي إجراءات في المخيمات المكتظة في عدد من مناطق عمل الوكالة، لكن مشعشع تحدث عن «استجابة من الدول في تقديم مساعداتها لمنع تفشي كورونا في المخيمات».
وبدأت الأزمة المالية منذ تنفيذ السياسات الأميركية قبل نحو ثلاث سنوات، التي توّجت بقطع الدعم المقدر بثلث الموازنة، والتحريض على منع الدول المانحة من التبرع، في توافق تام مع الموقف الإسرائيلي الداعي إلى تفكيك الوكالة، وإلغاء حق العودة. لكنّ هناك أسباباً إدارية داخل «الأونروا» نفسها زادت الطين بلة، خاصة استقالة مفوضها العام الأسبق، بيير كرينبول، على خلفية شبهات فساد في الإدارة، ومن ثم التأخر في تعيين المفوض الجديد، لازاريني، الذي تمّ في التاسع عشر من الشهر الماضي، علماً بأنه خلال أشهر الفراغ، كان كريستيان ساوندرز قائماً بعمل المفوض العام.
يقول مشعشع: «لازاريني له تجربة مميزة في إدارة الأزمات، وإدارة مؤسسات بحجم وكالة الغوث… بطبيعة الحال سيواجه تحديات كسابقيه، خاصة في ظل الهجوم السياسي المركز والمنظم على الأونروا لوقف تمويل خدماتها». ويشير إلى أن الذرائع تتركز حول وقوف الوكالة عائقاً أمام حل قضايا الصراع مع الاحتلال، وأنها عززت الاتكالية لدى اللاجئين، وأن المناهج التي تدرّسها تحرّض على الكراهية، وأن عامليها لا يلتزمون الحيادية كما بقية العاملين في مؤسسات الأمم المتحدة الأخرى. علي هويدي، وهو مدير «الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين»، يستدرك بالقول إن «تعيين المفوض العام ونائبه من صلاحية الأمين العام للأمم المتحدة، وهو أمر يخضع لموازين القوى»، مضيفاً: «وفق مصدر في الأمم، ترشيح لازاريني حظي بقبول غالبية دوائر صنع القرار هناك، ويبدو أن الأخير أدرك حجم اللعبة وموقعه فيها، بعد اتهاماته الصريحة للإدارة الأميركية وإسرائيل بعملهما على وقف الوكالة».