أطلقت ألمانيا “مرحلة الإنذار” في خطتها الطارئة للغاز ردا على تراجع الإمدادات الروسية، لكنها لم تسمح للمرافق بتحويل تكاليف الطاقة الباهظة للعملاء في أكبر اقتصاد في أوروبا.
وهذا الإجراء هو أحدث تصعيد في المواجهة بين أوروبا وموسكو منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل أربعة أشهر، الأمر الذي كشف اعتماد الكتلة على إمدادات الغاز الروسي وأثار بحثا محموما عن مصادر بديلة للطاقة.
ويمثل القرار الذي أعلنه وزير الاقتصاد روبرت هابيك أثناء مؤتمر صحافي تحولا صارخا خاصة بالنسبة إلى ألمانيا التي أقامت علاقات قوية في مجال الطاقة مع موسكو تعود إلى فترة الحرب الباردة.
وأثار انخفاض تدفقات الغاز تحذيرات هذا الأسبوع من أن ألمانيا قد تسقط في حالة ركود إذا توقفت الإمدادات الروسية تماما.
وأظهر مؤشر ستاندرد آند بورز غلوبال لمديري المشتريات (بي.أم.آي) الخميس أن الاقتصاد الألماني فقد الزخم في الربع الثاني من 2022.
وقال هابيك “يجب ألا نخدع أنفسنا.. قطع إمدادات الغاز هو هجوم اقتصادي علينا من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”. وأضاف “من الواضح أن استراتيجية بوتين هي خلق حالة من عدم الأمان ورفع الأسعار وتقسيمنا كمجتمع.. هذا ما نحاربه”.
ويأمل هابك تجنب تقنين الغاز لكنه أكد أنه لا يمكن استبعاد هذا الخيار بدليل أنه سيتعين على “الألمان خفض الاستهلاك”.
وتعتمد ألمانيا، مثل عدد من الدول الأوروبية الأخرى على واردات الغاز الروسي بشكل كبير لتلبية احتياجاتها، رغم أنها قلصت الإمدادات من 55 في المئة قبل الحرب في شرق أوروبا إلى 35 في المئة حاليا.
وكان هابيك قد قال الثلاثاء الماضي إن “مخزونات الغاز ممتلئة بنسبة 60 في المئة فقط، وإذا دخلنا فصل الشتاء بمخزونات نصف ممتلئة، وإمدادات الغاز متوقفة، فإننا أمام أزمة اقتصادية خطرة في ألمانيا”.
ونفت روسيا أن تكون تخفيضات إمدادات الغاز مع سبق الإصرار، وألقت شركة غازبروم الموردة الحكومية باللوم على التأخير في إعادة المعدات المجهزة بسبب العقوبات الغربية.
وبموجب خطة المرحلة الثانية، ستقدم برلين خط ائتمان بقيمة 15 مليار يورو (15.76 مليار دولار) لملء مرافق تخزين الغاز، بالإضافة إلى ذلك، سيتم إطلاق نموذج مزاد الغاز هذا الصيف لتشجيع مستهلكي الغاز الصناعي على توفير الغاز.
وتقوم الحكومة بتنشيط “مرحلة الإنذار” الثانية من خطة طوارئ من ثلاث مراحل عندما ترى مخاطر عالية لنقص الإمدادات على المدى الطويل. يسمح نظريًا للمرافق بتمرير أسعار مرتفعة إلى الصناعة والأسر وبالتالي المساعدة في خفض الطلب.
وكان الانتقال إلى المرحلة التالية موضع تكهنات منذ أن خفضت غازبروم التدفقات عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 عبر بحر البلطيق إلى 40 في المئة فقط من طاقتها الأسبوع الماضي.
وفي مواجهة تدفقات الغاز المتضائلة من المورد الرئيسي، كانت ألمانيا منذ أواخر مارس الماضي في المرحلة الأولى من خطتها للطوارئ، والتي تشمل مراقبة أكثر صرامة للتدفقات اليومية والتركيز على ملء مرافق تخزين الغاز.
وبالنسبة إلى المرحلة الثانية، لا يزال السوق قادرا على العمل دون الحاجة إلى تدخل الدولة الذي قد يبدأ في مرحلة الطوارئ النهائية.
وقال تاجر غاز في أوروبا لرويترز، لم تكشف هويته، “لقد شهدنا بالفعل بعض التخفيضات الخطيرة”. وأضاف “النظام لا يزال يتأقلم، لكن لم يتبق الكثير”.
وارتفعت عقود الغاز الهولندي القياسي لتسليم يوليو المقبل الخميس بما يصل إلى 4 في المئة إلى 131.5 يورو لكل ميغاواط/ساعة قبل أن يستقر عند 128 يورو لكل ميغاواط.
ومن المتوقع أن تزيد الضغوط على ألمانيا لتأمين ما يكفي من الغاز عند إجراء عمليات الصيانة في أنبوب نورد ستريم 1 خلال الفترة الفاصلة بين يومي 11 و21 يوليو المقبل.
وقال رئيس وكالة الطاقة الدولية الأربعاء الماضي إن “روسيا قد تقطع الغاز عن أوروبا بالكامل لتعزيز نفوذها السياسي، مضيفا أن “أوروبا في حاجة إلى الاستعداد الآن”.
وأظهرت بيانات المشغلين استقرار تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر نورد ستريم 1 وعبر أوكرانيا، في حين ارتفعت التدفقات العكسية على خط أنابيب يامال.
وحددت دول أوروبية إجراءات لتحمل ضغوط الإمدادات وتجنب نقص الطاقة في فصل الشتاء وارتفاع التضخم الذي قد يختبر عزم القارة على الإبقاء على العقوبات على روسيا.
كما دفعت تخفيضات الإمدادات الشركات الألمانية إلى التفكير في تخفيضات مؤلمة في الإنتاج واللجوء إلى أشكال ملوثة للطاقة كانت تعتبر في السابق غير واردة لأنها تتكيف مع احتمالية نفاد الغاز الروسي.
وأشار الاتحاد الأوروبي في وقت سابق هذا الأسبوع إلى أنه سيتجه بشكل مؤقت إلى استخدام الفحم لسد النقص في الطاقة بينما وصف تخفيضات إمدادات الغاز في موسكو بأنها “تحركات مارقة”.
وقال رئيس السياسة المناخية في التكتل، فرانس تيمرمانز، إن “عشرة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي أصدرت ‘إنذارا مبكرًا’ بشأن إمدادات الغاز وهو أول وأقل مستويات الأزمات الثلاثة التي تم تحديدها في لوائح أمن الطاقة في الاتحاد”.
وأضاف “خطر حدوث انقطاع كامل للغاز أصبح الآن أكثر واقعية من أيّ وقت مضى”.