أموال الدولة المُحتجزة في المركزي: 4.88 مليار دولار

نشر مصرف لبنان يوم الجمعة بيان الوضع المالي الموجز، الذي يعكس أرقام المصرف لغاية منتصف الشهر الراهن. الأرقام المُعلنة، عكست استمرار المصرف المركزي باتباع نفس السياسات النقديّة التي لجأ إليها خلال الفترة الماضية، وخصوصًا تلك المتجهة إلى احتجاز الإيرادات العامّة لامتصاص الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة في السوق، والحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة. مع الإشارة إلى أنّ هذا السياسة لم تمنع توسّع الكتلة النقديّة بهامش ضئيل، بينما تمكّن المصرف المركزي من المواظبة على زيادة حجم الاحتياطات المتوفّرة لديه بالعملات الأجنبيّة.

حسابات الدولة لدى مصرف لبنان

ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان، أي حسابات الدولة لديه، شهدت قفزة ملحوظة من 4.77 مليار دولار في نهاية شهر أيار الماضي، إلى ما يقارب الـ 4.88 مليار دولار في منتصف شهر حزيران، حيث تراكم في تلك الحسابات بين الفترتين إيرادات عامّة إضافيّة قاربت قيمتها الـ 105 مليون دولار. هذه القيمة، تمثّل الحاصلات الضريبيّة التي تمكّن المصرف المركزي من احتجازها لديه، عبر تقنين الأموال العموميّة الممنوحة للإنفاق العام والإدارات الرسميّة.

من المعلوم أن ما جرى خلال النصف الأوّل من شهر حزيران لم يكن استثناءً، بل كان استكمالًا لسياسة مُتفق عليها بين المصرف المركزي ووزارة الماليّة. إذ منذ منتصف شهر شباط الماضي، تاريخ الانتقال لاعتماد سعر الصرف الفعلي والواقعي لإعداد الميزانيّات، تراكم في حسابات الدولة لدى المصرف المركزي أكثر من 557.7 مليون دولار، بالإضافة إلى الأموال التي كانت موجودة في تلك الحسابات أصلًا. وهذا ما يفسّر بلوغ حجم ودائع القطاع العام لدى مصرف المركزي هذا المستوى الضخم، أي 4.88 مليار دولار.

بطبيعة الحال، تتوزّع هذه الزيادة، في حسابات القطاع العام المحتجزة لدى مصرف لبنان، ما بين سيولة بالليرة جرى تحصيلها من الإيرادات الضريبيّة، أو أموال بالدولار الطازج جرت مراكمتها من رسوم المرافق العامّة، مثل مطار بيروت أو المرافئ. في الحالتين، تصب هذه السياسة في خدمة الأهداف النقديّة لمصرف لبنان: إمّا امتصاص السيولة المتداولة بالليرة من السوق، أو زيادة احتياطات العملات الأجنبيّة الموجودة لديه.

في جميع الحالات، يصعب التمييز بين مصادر تراكم الأموال حاليًا، أو حتّى عملتها، أو طبيعة هذه الودائع التي تتوزّع ما بين “الدولار المحلّي” والدولار الطازج، حيث توقّف مصرف لبنان منذ أشهر عن الكشف عن هذه التفاصيل، وهو ما يحول دون فهم تفاصيل آليّات امتصاص السيولة من السوق.

زيادة احتياطات العملات الأجنبيّة

خلال الفترة نفسها، أي بين نهاية أيّار ومنتصف حزيران، رفع المصرف المركزي حجم احتياطاته بالعملات الأجنبيّة بنحو 63.38 مليون دولار، وهو ما يمثّل –مجددًا- استكمالًا لمسار بدأته القيادة الجديدة في مصرف لبنان، منذ انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة. وتتوزّع هذه الزيادات ما بين ثلاثة مصادر:

– السيولة الطازجة بالعملة الصعبة التي يقوم المصرف بشرائها بشكل مباشر من السوق الموازية، مقابل ليرات نقديّة يقوم بتأمينها مستخدمًا صلاحيّة خلق النقد. وفي هذه العمليّات، يستفيد مصرف لبنان من قدرته على إعادة امتصاص فائض الليرات المتداولة من السوق عبر الرسوم والضرائب التي تحصّلها الدولة، وتودعها لديه، وهو ما يضمن عدم تضخّم الكتلة النقديّة بالعملة المحليّة إلى حد يؤثّر على سعر صرف الليرة. بهذا المعنى، وفي مقابل الليرات التي يضخها مصرف لبنان في السوق لشراء الدولار، يقوم المصرف بامتصاص كتلة موازية من الليرات عبر الرسوم والضرائب، وهو ما يفسّر حاجة المصرف المركزي لاحتجاز الإيرادات العامّة.

– السيولة الطازجة بالعملة الصعبة التي تودعها الدولة لدى مصرف لبنان، مقابل الرسوم التي يتم استيفاؤها بالعملات الأجنبيّة.

– السيولة الطازجة التي تقوم المصارف بإيداعها لدى مصرف لبنان، في حسابات “فريش” مخصّصة لإجراء التقاص في ما بينها.

بهذا الشكل، تتكامل آليّات مراكمة الاحتياطات لدى مصرف لبنان مع آليّات امتصاص الليرات من السوق، والتي يتمحور معظمها حول استخدام الإيرادات العامّة المُحتجزة لدى المصرف المركزي.

الكتلة النقديّة والذهب وسائر البنود

بشكل عام، حافظت الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة على حجمها، مع زيادة طفيفة بقيمة 1.2 ترليون ليرة لبنانيّة، أي نحو 13 مليون دولار أميركي بسعر الصرف الراهن. وبذلك، يكون حجم السيولة بالليرة في السوق قد ارتفع خلال النصف الأوّل من حزيران بنسبة 2%، مقارنة بحجمه في بداية الشهر. ويشير هذا التحوّل إلى أنّ حجم السيولة التي اضطرّ مصرف لبنان لضخّها، لشراء الدولارات من السوق، قد تجاوز حجم السيولة التي جرى امتصاصها، من خلال الرسوم والضرائب.

أما احتياطات الذهب، فشهدت تراجعًا في قيمتها بنحو 241 مليون دولار أميركي بين بداية شهر حزيران ومنتصف الشهر، لتبلغ قيمتها حدود الـ 21.37 مليار دولار أميركي في منتصف حزيران. مع الإشارة إلى أنّ قيمة هذه الاحتياطات يجري تحديثها في الميزانيّة النصف الشهريّة، في ضوء التحوّلات التي تطرأ على أسعار الذهب العالميّة. وفي الوقت الراهن، مازال نحو ثُلث قيمة هذه الاحتياطات مودعًا في خزائن الولايات المتحدة الأميركيّة، وهو ما يطرح هواجس بخصوص إمكانيّة تعرّضه لمحاولة الحجز، من جانب حملة سندات اليوروبوند.

في النتيجة، لا تعكس كل تحوّلات الميزانيّة سوى استمرار بعض السياسات الهادفة إلى شراء الوقت، والحفاظ على الحد الأدنى من الانتظام النقدي، إنما على حساب أولويّات السياسة الماليّة للدولة، وبكلفة تطال فعاليّة وأداء الإدارات الرسميّة. أي بمعنى آخر، كلفة ما يقوم به المصرف المركزي، على مستوى احتجاز الإيرادات العامّة، هي استمرار الشلل في عمل المؤسسات الحكوميّة، وعجزها عن أداء أدوارها البديهيّة.

 

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةأول نقل مشترك “بلدي” تطلقه زحلة: باصات صديقة للبيئة
المقالة القادمةدين اليوروبوندز تجاوز الـ40 ملياراً.. والعدّاد ماشي