لا تزال المليارات الأخيرة من دولارات اللبنانيين المتبقية في مصرف لبنان المركزي، الهدف الدائم لكل من استفاد ويستفيد منها قبل وبعد الإنهيار المالي والسطو على ودائع اللبنانيين تحت ذرائع وحجج وعناوين، غير مقتعة وغير مبررة. وبينما تكرر الحكومة التهويل بالإمتناع عن دفع رواتب الموظفين وتأمين الدواء والقمح في حال لم تقترض من الإحتياطي الإلزامي، تتغاضى عن كل الخطوات التي تؤمن ومن خلال الإصلاحات أولاً وأخيراً، من أجل استعادة الإستقرار والثقة بالوضع المالي وبالليرة، وإن كان رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، يرى أنه من المستحيل أو من الصعب أن يثق اللبنانيون بالليرة، لأنهم وحتى في “أيام العز” في التسعينات، كما ما بين العام 2005 وحتى العام 2010 أي ما قبل الإنهيار، كانت نسبة الودائع بالدولار تتراوح ما بين 70 و80 بالمئة، وبالتالي، فإن الناس لم تكن تثق بالليرة، وكانت تتركها فقط من أجل المصاريف، ولم يكن يتم إيداع الأموال بالليرة في المصارف، فكم بالحري اليوم. إلاّ أن مارديني يستدرك بأن “أيام الليرة” تعود في حالةٍ واحدة فقط، وهي تنفيذ إصلاحات هيكلية ووضع ضوابط صارمة على طباعة الليرة.
وعن تمويل نفقات الحكومة عبر الإقتراض من الودائع، يوضح الدكتور مارديني ل”ليبانون ديبايت”، أنه على صعيد رواتب موظفي القطاع العام، فإن حجمها بعد الزيادات الأخيرة، أصبح 7 آلاف ومئة مليار ليرة أو 10،7 تريليون ليرة، وفي موازنة العام الحالي تتوقع الحكومة أن تجبي 12 تريليون ليرة في الشهر، وبالتالي فهي قادرة على دفع الرواتب وليست بحاجة إلى الإقتراض من مصرف لبنان المركزي. ويشير إلى الأرقام التي كشف عنها النائب الأول لحاكم المركزي وسيم منصوري، عندما أعلن أن الحكومة تجبي 20 تريليون ليرة في الشهربعد زيادة الضرائب، وحتى عندما كانت إيراداتها 12 تريليون ليرة في العام الماضي، ومن المتوقع أن تمتلك ما يكفي من الإيرادات لدفع رواتب موظفي القطاع العام، ما يؤكد أن الإقتراض من المصرف المركزي، لا يهدف إلى تأمين الأجور.
ورداً على سؤال عن الهدف، يوضح مارديني، أنه من وجهة نظر الحكومة فهي تريد الإقتراض من أجل أن تصرف بارتياح، ويكون في متناولها المال لتصرفه كما تشاء، فهي لا تحتاج إلى الإحتياطي الإلزامي، أي أموال المودعين من أجل الرواتب، بل من أجل أن “تتشفلق”، فالشباب يريدون أخذ المال وصرفه يمنةً ويسرةً، وعندما ستحصل الحكومة على الملايين من المركزي، أي من ودائع اللبنانيين، سوف “تفلت” على المشاريع وعلى الصفقات العمومية، لأن أسهل شيء الصرف والshoping.
وعلى الرغم من وجود حافزٍ لدى الحكومة لتقترض في بعض الحالات، يضيف مارديني، إلاّ أن هذا الإجراء لا يصب في مصلحة الوطن أو في مصلحة المودعين، لأنه كلما اقترضت الحكومة، كلما زادت الفجوة لدى المصارف وتضاعفت خسائر المودعين، وبالتالي ستتفاقم الأزمة.
في المقابل، يلفت مارديني، إلى أن الحاكمية اليوم تخطط لوقف العمل في منصة “صيرفة”، بمعنى أن الأموال التي تُضَخ عبر المنصة سوف يتم إقراضها للحكومة، لكنه يعتبر أنه على المركزي أن يحافظ على تدخله في السوق، ولكن أن يغيّر الطريقة المعهودة، لأن ضخّ المركزي في السوق عبر “صيرفة” هو سياسة خاطئة، لأنه لا يجب أن يتدخل عبر السيطرة على الكتلة النقدية بالليرة، وب”العربي المشبرح”، يجب وقف طباعة الليرة بدلاً من ضخّ الدولارات، وهذا ما يحقق الإستقرار في السوق، ولا يؤدي إلى خسارة ما تبقى من أموال المودعين.
وحول ما إذا كان من الممكن توحيد سعر الصرف، يتحدث مارديني عن طريقة سهلة للقيام بذلك، لأنه يسمح للمصارف بالتداول بالدولار “الفريش” وتعطي هامشاً ضيقاً بين سعر المبيع وسعر الشراء، ما يؤدي إلى تحفيز المواطن على التعامل مع المصارف، فيما يحدّد الصرافون أسعارهم وفق السعر المرجعي للمصارف، أي يوسّعون الهامش، وبالتالي، تكون العودة إلى الواقع الذي كان قبل الأزمة، إذ كان المواطن يشتري الدولار من المصرف أو من الصراف بأسعار متقاربة، ولهذا السبب، من الضروري توحيد سعر الصرف، خصوصاً وأن سعرالسوق السوداء مستقر عند حدود 90 ألف ليرة للدولار، وبات قريباً من سعر دولار “صيرفة “.
لكنه يجد أن المشكلة المتبقية تتمثل بالدولار القديم في المصارف، ولذلك، من الضروري إقرار قانون “الكابيتال كونترول” إلى حين معالجة موضوع الودائع، مع الإبقاء على سقف 400 دولار شهرياً، وأما بالنسبة لما يتخطى هذا المبلغ يمكن الإبقاء على السحب وفق دولار 15 ألفاً، ولكن لفترة مرحلية إلى حين إعادة هيكلة القطاع المصرفي.