منذ بداية الأزمة المالية والإقتصادية في البلاد وظهور نتائج الإنهيار والإنحدار، برزت الحاجة والحديث عن ضرورة وضع قانون يُقيّد حركة الأموال، أي «الكابيتال كونترول». وبعدما قاربنا نهاية السنة الثالثة على سلوك الإقتصاد مساره الإنحداري، لا تزال الجهود والمحاولات مستمرة لإقرار هذا القانون، ويبدو أن هناك قوة خفية تمنع إقراره، ما بات يطرح الكثير من الأسئلة حول حقيقة النيات تجاه هذا القانون الذي بات أشبه بـ»حزورة».
فقبل الإنتخابات النيابية التي جرت في شهر أيار المنصرم، كان الحديث عن شبه استحالة لإقرار قانون كهذا على أبواب الإنتخابات وغالبية النواب من المرشحين، وبدا وجود إتفاق ضمني لتطييره إلى ما بعد الإنتخابات تفادياً لمواجهة غضب الشارع وصرخات ووجع المودعين وتلبية لمطالب المصارف التي تُحاول التهرب من هذا القانون او أقله تجويفه من مضمونه.
يقول أصحاب الإختصاص إن القيود تفرض عادة مع بداية الأزمة، وبشكلٍ سريع، والإجراءات تتخذ لمنع تدهور سعر الصرف، ولحماية النظام المصرفي، وخصوصاً إذا كان مُقترضاً بالعملات الأجنبية، ففي ايسلندا مثلاً أقرّت الإجراءات سنة 2008 وبدأت برفعها تدريجياً عام 2017، والبحث بـ»الكابيتال كونترول» ينبغي أن يُجيب على سؤال «لماذا نحن بحاجةٍ إليه؟ وما هو مداه الزمني المُتوقع؟».
والجديد في هذا الملف، الإجتماعات التي يعقدها نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب في مجلس النواب مع عدد من الخبراء القانونيين والمتخصصين في الشؤون المالية والإقتصادية والمصرفية والممثلين عن الهيئات الإقتصادية وجمعية المصارف والمودعين.
وتجرى خلال هذه الإجتماعات، وقد كان آخرها منذ يومين، دراسة مشروع قانون «الكابيتال كونترول» حيث تمت مناقشة المادة الثالثة لجهة إنشاء لجنة خاصة وتم التوافق على رفع اقتراح بتشكيل لجنة مؤلفة من المجلس المركزي لمصرف لبنان إضافة الى خبيرين إقتصاديين.
وعلى الرغم من أن هذه المبادرة أتت بهدف الإستماع إلى آراء أصحاب اختصاص يمثلون عدداً من المكونات المعنية والفاعلة في الشأن الإقتصادي والمالي والمصرفي والقانوني، تمهيداً لوضع تقرير إستشاري بنهاية اللقاءات بهدف تسهيل مسار دراسة القانون ووضعها بتصرف النواب للإستفادة منها عند مناقشتها في اللجان النيابية، إلا ان بعض المصادرالمتابعة لا تتأمل كثيراً في ما يجري لجهة ما وصفته بالمحاولات المتكررة لتفريغ القانون من محتواه وحماية أصحاب المصارف الذين تكون لهم الكلمة الفصل في نهاية المطاف.
وترى هذه المصادر أن»الكابيتال كونترول» لكي يكون مفيداً يجب أن يترافق مع إعادة هيكلة المصارف ومع إقرار قانون تتبع التحويلات كي لا تتكرر»مهزلة» قانون السرية المصرفية الذي تم حذف نصوص مهمة وأساسية منه خلال إقراره من الهيئة العامة لمجلس النواب من مثل عبارة «الجرائم المالية الأخرى» وغيرها، ما ترك مجالا للتنازع بين القوانين.
وترى المصادر نفسها أن محاولة إرضاء صندوق النقد الدولي بإقرار هذا القانون مع تفخيخه بالبند الذي يحمي المصارف، هي مناورات مكشوفة لن تمر، وأن من يريد فعلا حماية المودعين وحقوقهم عليه الذهاب إلى تطبيق القانون 2/67 الذي يسمح بوضع اليد على المصارف وعزل وتغيير رؤساء مجالس إداراتها ونوابهم والأعضاء المفوضين وتعيين بدائل عنهم وتتبع حركة الأموال لإعادة ما يمكن إعادته.
هذه الأجواء وغيرها من الأفكارالمتباعدة حول مقاربة هذا القانون ربما تجعله يدخل في معادلة ما بعد بعد الإنتخابات الرئاسية بعدما قطع مرحلة الإنتخابات النيابية.