أين ستكون المصارف في أي عملية لإعادة هيكلة للدين العام ؟

في أي عملية بحث عن الخروج من ​الأزمة الاقتصادية​ الخطيرة التي تشتد وطأة وتتفجر جوعاً وفقراً وإفلاساً و​هجرة​ و​بطالة​ يعود الحديث عن ​الدين العام اللبناني​ وكيفية التعامل معه الى ​صلب​ الاهتمامات. فنهج التعامل مع هذا الدين العام ظل مطبقاً في لبنان منذ عام 1992، حيث أتت تسمية الدين في الأصل على أساس استدانة مبالغ مالية بهدف تحويلها إلى طاقة استثمارية تؤمن للمستدين إمكانية الاكتفاء المادي ودفع فائدة الدين، ليصار من ثم إلى رد أصوله عبر فترة زمنية محددة. والجزء الكبير من المشكلة الإقتصادية اللبنانية عائد إلى استخدام المبالغ المقترضة في مجال الإستهلاك عوضاً عن الإنتاج، وفي تحقيق أرباح فردية للأسف.

وبالتأكيد، أن هذا الدين الذي يفترض إعادة هيكلة وفق توصية ​صندوق النقد الدولي​ أصبحت قيمته مبعثرة، غير واضحة للرأي العام، ولكن وفق الحسابات ال​علم​ية والدولية يفوق بالتأكيد طاقة السلطات السياسية المتعاقبة، التي راكمته بسياساتها الاعتباطية بعيداً عن أي رؤية اقتصادية سليمة.

في آذار 2020، ومع قرب استحقاق تسديد دين سندات اليوروبوندز، باع بعض ​المصارف​ ما قيمته نحو 500 مليون دولار من السندات إلى أشمور المتخصصة في الأسواق الناشئة التي تحوز حصصا مانعة في بعض السندات ​الأقصر​ أجلا، وذلك بعدما علم هؤلاء قرار الحكومة بالتعثّر عن التسديد.

وفق رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني ان كل من الصناديق الاستثمارية الثلاثة “أشمور” و”​بلاك روك​” و”فيدلتي انفستمنت” تستحوذ على حصة تزيد عن 30% من ​السندات السيادية​، وهي قادرة على ممارسة حق الفيتو عند التصويت او نقض اي اتفاق تتوّصل اليه ​الحكومة اللبنانية​ مستقبلاً مع الدائنين.

ويقول مارديني “للاقتصاد” ​المصارف اللبنانية​ باعت هذه الصناديق سندات الدين التي كانت بحوزتها لأسباب معروفة أولها الحصول على السيولة بعدما تم تجفيفها ، وقد يكون السبب الأهم علمها المسبق بتخلّف الدولة اللبنانية عن تسديد ما عليها من هذه الديون.

ويقول مارديني: بداية الحل تكمن في التفاوض مع الدائنين. ولكن المشكلة اليوم هي أنه لا توجد حكومة فعلية مؤهلة للتفاوض مع الدائنين. كما إن انتشار وباء كورونا في العالم ساهم الى حد كبير في إلغاء التفكير بأي لقاءات ومفاوضات بعدما تصدّرت مواجهة الوباء الأولويات.

كان في خطة الحكومة محور يتعلق بموضوع إعادة هيكلة النظام المالي في لبنان خصوصاً القطاع المصرفي، لكن هذه الخطة أوقفت في لبنان لأسباب متعددة. كما أن اي معالجة للمشكلة تتم أولاً بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي ضمن برنامج معين يعطي الثقة، لأن قضية الدولار والنقد والمصارف تتعلق بالثقة، وصندوق النقد يعطي هذه الثقة. هذا يعني انه يجب انتظار اولاً، ولادة حكومة ثقة، وثانياً برنامج تقدمه ويوافق عليه صندوق النقد الذي سيضمن إعادة الثقة للمودعين في المصارف، والتي بدورها سيكون دربها لاستعادة هذه الثقة ليس سهلاً. ولكن أين المصارف من أي عملية إعادة هيكلة الدين العام اليوم؟ يبقى المهم وهي الخطوة الأولى.

 

مصدرالنشرة - رولى راشد
المادة السابقةسمير حمود: المصارف ليست في وضع افلاس وودائع الناس لم تتبخّر
المقالة القادمةالاستثمار في القطاع العقاري ذكاء ام حقيقة مقنّعة؟